فيما يقام معرض حسين ماضي في عمّان، اختُتم أخيراً معرض الإيرلنديّة تريشا إيدلشتاين الذي أقيم في «غاليري مكان» تحت عنوان (All Systems Leak) «كل الحمّامات بتنقطع ميّتها». مناسبتان للنظر إلى المشهد الفني في الأردن عبر أيدٍ لبنانية وإيرلنديّة، على اختلاف تجربتيهما.هي مناسبة أيضاً لالتقاء الفنانين الأردنيين الشباب. وهذا ربما ما توفّره «غاليري مكان» إذا نظرنا أبعد من مجرّد احتفاليّات صغيرة بالفن المعاصر. معرض «تريش» كان إحدى هذه الفرص. كأن المعرض يقام على هامش هذه اللقاءات. وما زاده قطيعةً عن المشهد، هو ما يفاجئ به الزائر عند المدخل، إذ تستقبله ثلاثة أنابيب بلاستيكيّة تضخّ الماء في ثلاثة دلاء كبيرة، وهذه الأخيرة تعمل بدورها على تنقيط المياه في ثلاثة دلاء أصغر منها. ومن الدلاء الصغيرة، ترجع المياه إلى الأنابيب، لتكتمل الدورة في مغسلة ودلو كبير يعمل على إرجاع المياه مرة أخرى. وفي الغرفة الثانية التي يحرسها بورتريه كبير لمكيافيللي بالألوان الزيتيّة على الكانفاس، ثُبِّتت قفازات سوداء على أعمدة صغيرة.
معرضها الأردني بعنوان «كل الحمّامات بتنقطع ميّتها»
لم يفهم أحد شيئاً. السرّ هو عند «تريش» وحدها. تشرح الفنانة التي تقيم في عمّان منذ سنتين، أنّ فكرة المعرض أتت بعد قراءة كتاب «الأمير». تقول إنّ «كل الأنظمة السياسية متشابهة، ترتكب الأخطاء نفسها في معالجة الأزمات نفسها». لذا فكّرت «تريش» الآتية من عالم الإخراج والتأليف المسرحي، في ترجمة هذه النظريات إلى عمل فني. الدلاء الكبيرة هي الزعماء الذين ترشح أفكارهم إلى التابعين. أما القفازات السوداء، فترمز إلى «الأيدي الخفيّة» التي تدير المشهد السياسي في الواقع.
إذاً هل تكلّمنا عن فنّ معاصر؟ إن كان هذا فنّاً معاصراً، فماذا نسمّي آلة التعذيب في رواية كافكا «في مستوطنة العقاب» عام 1914؟ أليست الآلة التي تحفر نصّ الحُكم على جلد المحكوم عليه، فناً معاصراً في حينه؟ والأهم، كيف سيتلقى الإيرلنديّ هذا العمل لو عرض في دبلن مثلاً؟ هل سيظل «فناً معاصراً»؟
يبدو أن مشكلة الفنّ العربيّ كما وصفها حسين ماضي تكمن في «العين غير المدرّبة». ليس هناك تطوّع لتقييم المعرض، حتى في الأحاديث الجانبيّة التي تناولت آخر أخبار أسفار الفنانين ومشاريعهم.
هكذا يبدو المشهد الفني في الأردن. والفجوة التي تقع بين «غاليري نبض» حيث معرض ماضي، وبين معرض تريش في «مكان»، أعمق من أن نحيلها إلى الفنانين فقط. إنها مشكلة المتلقي الذي يقف على مسافة واحدة من الفنان ومن العمل.
كنّا نتمنا لو أفدنا من تجربة «تريش» في المسرح، عبر إعادة عرض مسرحية بيكيت Endgame التي أخرجتها من قبل. ربما تكون فرصة لمشاهدة أنفسنا في شخصيات المسرحيّة: «هام» أعمى ولا يستطيع الوقوف، و«كلوف» لا يستطيع الجلوس.
أحمد...