موليير الكويتي في «مسرح المدينة»حسين بن حمزة
يأتي المخرج الكويتي سليمان البسام (1972) إلى بيروت، مسبوقاً بسمعة طيبة حصَّلها من عروض حظيت بحفاوة شديدة في العالم العربي وفي الخارج. المسرحي الشاب المولود لأب كويتي وأم بريطانية، تخرَّج في «جامعة أدنبره» عام 1994. أسّس فرقة «زاووم» تيمّناً بالمستقبليين الروس، أنجز عروضاً لافتة في بريطانيا، قبل أن يتجه إلى العالم العربي: من «ذوبان الجليد» المأخوذة عن مسرحية «المذبحة» للألماني هاينر مولر، و«الزريبة» للإنكليزي توربين بتس، و«المقايضة» عن قصة روميو وجوليت المعروفة (جائزة أفضل عرض في مهرجان مجلس التعاون الخليجي)، إلى «مرآة الأمراء» المأخوذ عن كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفّع.
مع عمله على نصوص شكسبير، بدا كأن البسّام عثر على الفضاء الملائم لمشروعه المسرحي القائم على مزج أسلوبيّات مختلفة. هكذا، قدم «قمّة هاملت» (جائزة النقاد في «مهرجان أدنبره»، وجائزة «مهرجان القاهرة التجريبي الرابع عشر 2002»)، ثم قدّم «ريتشارد الثالث ـــــ مأساة معرَّبة»، التي شاركت الفرقة الملكية الشكسبيرية في إنتاجها، وشارك فيها ممثلون عرب وأجانب، وعُرضت في مهرجانات ومسارح مرموقة في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسطالمخرج الذي نُعتَ بـ «الإنكليزي» في بلده، اختار التجريب داخل الموروث الكلاسيكي للمسرح العالمي. كان في استطاعته أن يكون حديثاً وما بعد حديث، إلّا أنّه تجاهل لعبة الأشكال لمصلحة تجريب آخر لا يعيش اغتراباً عن مناخات المسرح نفسه. بطريقة ما، تبدو أعماله الهجينة كأنها نتاجٌ بيولوجي وثقافي لهُجْنته العائلية. إنه حديثٌ بالمعنى الأوروبي، ونهضوي بالمعنى العربي. كان يستعد لتقديم «الليلة الثانية عشرة» كختامٍ لثلاثية شكسبيرية، لكنه أجَّل ذلك، منخرطاً في مغامرة مختلفة عاد فيها إلى محاورة البدايات المبكرة للمسرح العربي عموماً، والازدهار الذي عرفه المسرح الكويتي في الستينيات والسبعينيات على يد مبدعين كبار مثل: صقر الرشود وعبد الحسين عبد الرضا.
هكذا تعاون مع ابن بلده، جعفر رجب، لكتابة نسخة كويتية بعنوان «حيَّال بو طير»، مستلهَمة عن نص «طرطوف» للفرنسي موليير، واستعان بطاقم ممثلين معظمهم كويتيون. لماذا موليير و«طرطوف» تحديداً؟ يقول إنّ هذا كان مقصوداً، للعودة إلى أجواء الفرجة الشعبية، التي يمكن من خلالها اجتذاب الجمهور الخليجي. ويؤكّد أنّ «النص القائم على أجواء كوميديا ديلا آرتي ومسرح الشارع والاستعراض، حُوّل إلى عرض يتّسم بنبرة شعبيّة قادرة على خلق سياق تهكّمي وفكاهي، يُخفي تحته مقولات اجتماعية وسياسية معاصرة».
فكرة استثمار النصوص، والبحث عن إسقاطات عربية ومحلية لها حاضرة في عرض «حيَّال بو طير»، كما كانت حاضرة في كلّ أعماله الأخرى. يقرّ البسام بأنّ النصوص الأجنبية التي عمل عليها تحتوي على طاقة مسرحية مجرَّدة لا علاقة لها بجنسية مؤلّفيها. «إنها طاقة تؤهِّل النص للدخول في عمليات تأويل وإعادة كتابة لا نهاية لها. هذه الطاقة فقيرة في معظم النصوص المسرحية العربية». لكن أليست هناك مخاطرة في تقديم عمل محلي في أول احتكاك له مع

أفراد العائلة ينتقلون بدراجات هوائية ونارية، وكراسٍ مسيّّرة على سكك مزروعة في المنزل
الجمهور اللبناني؟ يوافق على أنّ ثمة مخاطرةً هنا. كان يُفضِّل تقديم «ريتشارد الثالث» مثلاً، وخصوصاً أنّ ممثلين لبنانيّين وسوريين شاركوا فيها، لكن الظروف الإنتاجية لم تسمح له بذلك.
في المقابل، لا يتهيَّب من الرهان على عمل كويتي في بيروت. «أنا سعيد بتقديم هذه التجربة هنا. أعتقد أنّ الفضاء الذي اشتغلنا عليه في هذا العمل يتصف بثراء لا علاقة له بكونه كويتياً... كما أنّ مقولة العرض عابرة لحدود الهويات المحلية». يضيف ضاحكاً: «باستطاعة الجمهور أن يُعامل العرض كعمل أجنبي». يبقى سؤال: ماذا بقي من نص موليير؟ يسارع إلى الإجابة: «الحدوتة فقط. المقولة الأساسية المتمثّلة في دخول شخص برداء مزيف من الإيمان على عائلة أحد الأثرياء، وسيطرته على كل شيء». الصفة الشعبية لا تُخفي التأويلات المركّبة التي تتحرك تحت السطح الكوميدي والساخر للعرض. ما سنشاهده هو حصيلة مقترحات أدائية اشتُغل عليها، وأُعيدت كتابتها أكثر من مرة أثناء البروفات. التحولات الدراماتيكية التي يُحدثها دخول الداعية/ المشعوذ (مناضل داوود) إلى منزل أبو أمين (سعد الفرج)، صاحب مصنع «بسكوت الديرة»، ستكون مصحوبة باقتراحات بصرية متنوعة، وعزف حيّ وأغنيات فولكلورية، وأكسسوارات تزيد من الجرعة الفرجوية: أفراد العائلة ينتقلون بدراجات هوائية ونارية، وكراسٍ مدولبة مسيّّرة على سكة حديدية زُرعت في أرجاء المنزل. سيُضحكنا كل هذا، لكننا لن نتوقف عن الإحساس بأنّ البساطة البادية هنا هي الجانب المرن من ممارسة إخراجية اعتادت المغامرة. نصدّق ذلك من سليمان البسام، الذي يحدّثنا عن مشاريع أخرى. ماذا غير العرض الشكسبيري الذي تأجَّل؟ يقول إنه يشتغل على نص «رثاء أور» السومري المكتوب على رُقُم طينية محفوظة في متحف اللوفر. «سأقدم العرض في المتحف نفسه» يقول بمزيج من الثقة والبساطة.


8:30 من مساء اليوم حتى 19 تموز (يوليو) ـــــ «مسرح المدينة» (الحمرا/ بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/753010