كارول منصور تواصل النظر من داخل سناء الخوري
غالباً ما تصادف سيدة عراقية في سيارة أجرة. تفكّر تفكيراً عابراً في ما تعيشه بلادها من حرب وويلات، ثمّ تنسى الموضوع. بعد سبع سنوات على الاحتلال الأميركي للعراق، لم يعد التعاطف مع مأساة ذلك الشعب «على الموضة». لقد اقتصرت معايشتنا لها على أخبار عابرة من هنا أو هناك، أو على لاجئات ولاجئين قد نلتقيهم في سيارة أجرة... في «أتيت من مكان جميل» («فوروورد برودكشنز» ـــــ 2010) تعبر كارول منصور إلى الجانب الخفي من حياة هؤلاء. «اللاجئ الذي نصادفه في الطريق، وينظر إليه بعض اللبنانيين نظرة دونيّة، لم يختر المجيء إلى هنا للاستجمام، بل فرّ من ظروف خارجة عن إرادته»، تقول.
بعيداً عن منطق الإحصاء والعدّ، تنجز السينمائية اللبنانيّة هنا وثائقياً أقرب إلى لغة الروايات. تواصل صاحبة Maid in Lebanon (عن وضع العاملات الأجنبيات في بلد العسل والبخور) مشروعها الأثير في «النظر من الداخل»، كما تحبّ أن تقول. في شريطها «حرب الـ34 يوماً» مثلاً، سمعنا من طاولتهم القذائف الإسرائيلية يحكون القصّة فوق ركام بيوتهم. في «أتيت من مكان جميل» I come from a beautiful place سنكتشف تلك الوجوه العابرة التي فقد معظمنا حشريّة السؤال عن مصيرها.
يصير الشريط «فسحة صغيرة لإعطائها صورةً وصوتاً»، بحسب لور شدراوي المنتجة المنفذة للعمل، والمسؤولة الإعلامية في «المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR) في لبنان. طلبت المفوضيّة من كارول منصور إنجاز العمل في مناسبة «يوم اللاجئ العالمي» (20 حزيران/ يونيو)، وستعرضه عند السابعة من مساء 8 تموز (يوليو) الحالي في «مسرح بابل»، بالتزامن مع افتتاح معرض من أشغال اللاجئين. خلال ثلاثين دقيقة، سنسمع خمس قصص، هي عيّنة من 15 مليون قصّة لبشر هجّرهم الاضطهاد السياسي والديني والعرقي، أو الحروب والمجاعات، أو حتّى العنف الأسري.
الكاميرا شاهدة على معاناة الناس من دون استثارة مجانية للشفقة. اختارت منصور أن تفتتح الشريط بقصيدة أعطت عنوانها للعمل، للشاعر الجمايكي البريطاني بنجامين زفانيا. «قيل لي إنني لا أملك وطناً الآن/ قيل لي إنني كذبة/ قيل لي إنّ كتب التاريخ الحديث قد تنسى اسمي»، يقول الشاعر الأسود المتمرّد. على إيقاع هذه الكلمات، تجول الكاميرا في بانوراما سريعة على ذاك «المكان الجميل»، ثمّ يبدأ اللاجئون طقساً يشبه التطهّر أمام العدسة. تتخلل الشهادات الحيّة مشاهد ممثلة تتقاطع مع المادّة الوثائقيّة، ليأخذ الشريط طابع الوثائقي الإبداعي.
حيدر الثلاثيني خرج من بغداد سيراً على الأقدام هرباً من بطش

أفراد هجّرتهم الحروب والاضطهاد السياسي والديني والعرقي

النظام السابق. خرج منها ثانيةً إثر الاقتتال الطائفي بعد الغزو. لا نرى وجهه. يكفي تركيز الكاميرا على يديه لنفهم ثقل الألم الجاثم فوق صدره. «كيف أُخرج التعذيب منّي؟»، يسأل من أُجبر على النوم بين الجثث المذبوحة. من جهتها، نسيت هناء المحطّمة معنى الأمل، بعد بحث مضن عن زوجها المفقود في مشارح العراق وزنازينه. فقدت حتى القدرة على النظر إلى الصور القديمة... إلى حياة من السعادة والرفاهية أصبحت اليوم سراباً.
سارة (18 عاماً) وحسام (16 عاماً) اللذان فرّا من قسوة والدهما في العراق، يحاولان نسيان الاستغلال المادي والتعنيف الجسدي في كتبهما المدرسيّة. اللاجئ السوداني (لا يكشف عن اسمه) من جهته لا يريد أن ينسى. في يوم واحد، فقد عائلته كلها في مواجهات دارفور، وما زال يأمل أن تكون شقيقته على قيد الحياة.
تشتغل كارول منصور حالياً على إنجاز وثائقي عن اللاجئين الفلسطينيين، وآخر عن حق اللبنانيّة في منح جنسيتها لأولادها... بعد انتهاء عرض فيلمها الحالي «أتيت من مكان جميل»، سيبقى صوت القصيدة يتردّد: «يمكننا جميعاً أن نكون لاجئين/ قد يتطلّب الأمر يوماً واحداً/ قد يتطلّب الأمر إشارة يد واحدة...».


7:00 مساء 8 تموز (يوليو) الحالي ـــــ «مسرح بابل» (الحمرا/ بيروت). للاستعلام: 01/744034