رغم تميّز القناة القطرية في تغطيتها نهائيات كأس العالم في كرة القدم، إلا أن بعض معلِّقيها الرياضيّين اكتفوا بالثرثرة وبإعطاء دروس في التاريخ والجغرافيا!
علاء اليوسفي
«أوووه هووووو وووووو»، حتماً يعرف الجمهور لدى مشاهدته مباريات كأس العالم أنّ صاحب هذه الكلمات هو حفيظ دراجي. تلك هي علامته الفارقة في التعليق على المونديال. علامة ميزتها أنّها... مزعجة، تستبدل قاموس التعليق بالـ«ووووووه». كما تحوّل المعلّق إلى مشاهِد آخر. والمشكلة الحقيقية لا تكمن في تحوّل المعلّق إلى مشاهد، بل في كون هذا المشاهد تحديداً يفرض إيقاعه على ملايين المشاهدين.
أما إذا لاحت فرص متلاحقة أمام المرمى، فعلى مشاهد «الجزيرة الرياضية» أن يتوقع الأسوأ: الواو الممطوطة تبدأ بالتمدد بوتيرة متسارعة مثل «غارة واوية». وتنتهي هذه الدربكة أخيراً بخروج الكرة إلى ضربة مرمى ليكرر المعلّق بأن الكرة «خرجت خمسة أمتار وخمسين». ما هي الـ«خمسة أمتار وخمسين» تلك؟ يبقى الجواب مجهولاً، ولا يتكبّد دراجي عناء شرحها للمشاهد الحائر. طبعاً لا تقف حدود هذا المعلّق هنا، بل ما هي إلا دقائق قليلة، حتى يخرج صوتٌ آخر يليه عبارات كثيرة مثل «وففففف»... أي «يا ضيعانها».
والحق يقال، إن مشكلة «الجزيرة الرياضية» لا تكمن في حفيظ دراجي فحسب، بل بمجموعة من المعلّقين الرياضيين لديها. في أوقات كثيرة، لا يتمكّن المشاهِد من الاستفادة من خدمة «الجزيرة» التي تتيح التحكّم بالصوت والانتقال إلى معلّق آخر. إلى جانب حفيظ دراجي، قد يضطرّ المشاهد لقضاء سهرته الكروية مع معلّق آخر هو يوسف سيف.
أداء المعلقين يستدعي طرح ملاحظات وأسئلة عن كيفية «تأهل» بعضهم إلى المونديال... والأكثر من ذلك مرافقتنا إلى الدور ربع النهائي وبعده، وذلك رغم تميز أداء «الجزيرة» عموماً في تغطيتها من خلال مجموعة من المحللين والبرامج والمراسلين، ونيلها عن استحقاق المرتبة الثانية بين أفضل القنوات التي تغطي كأس العالم. وهذا سبب إضافي لنقد أداء بعض المعلقين ممن لم يرتق مستواهم إلى مستوى الحدث. إذ إنّ الأمر لا يقتصر فقط على بعض «الإيفيهات» والتعابير غير المفهومة لكثير من المشاهدين (يردد معلق آخر كلمة «إنية» التي لم نجدها في القاموس)، بل يمتد ليطال أساليب نافرة في التعليق.

يصرّ حفيظ دراجي على استعمال عبارات غير مفهومة وينسى يوسف سيف مجريات المباراة
انطلاقاً مما سبق، لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة حول أداء المعلّقين: أين يكمن الحد الفاصل بين التعليق والثرثرة؟ ما هي وظيفة المعلّق؟ وهل هناك أصول ومعايير يخضع لها؟ أسئلة نترك إدارة «الجزيرة» أن تلتفت إليها. وفي انتظار إيجاد حل لهذه المشكلة، لا بد من استعراض بعض هذه الثرثرة: ينقل إلينا بعض المعلقين معلومات عامة محضّرة سلفاً، أكثر من تركيزهم على جو المباراة. وتغدو محاولة محاكمة لاعبي الجزائر على قصات شعرهم (لأنها على يبدو لا تتبع تقاليد المعلِّق) أهم مما يحدث على أرض الملعب. وفيما أحد اللاعبين يراوغ على حدود مرمى الخصم، يتوغل يوسف سيف في الحديث عن التاريخ. لكن هل يدفع ذلك سيف إلى وقف حديثه ليعود إليه لاحقاً ريثما تنتهي الهجمة؟ هيهات. أساساً يوسف سيف يلعب على ملعب مختلف كلياً. يستلم زمام التاريخ والآراء الشخصية والمعلومات العامة مثل لاعب يستلم الكرة من «كورنر» (ضربة ركنية) مرماه ويتجه بها بمسار خط نار إلى «الكورنر» الآخر من دون أن ينتبه أنّ عليه أن يغيّر مساره وينعطف قليلاً كي يسجل هدفاً. على هذا الأساس، يبدو مرمى سيف وغيره من المعلقين بعيداً عن مرمى المشاهدين الذين يتوقون إلى من يشرح لهم الخطط ويتحدث عن سير المباراة مثلما يفعل المعلق عصام الشوالي وعلي سعيد الكعبي على سبيل المثال.