محمود عبد الغنيلا يمكن الحديث عن الحياة الإعلامية في المغرب من دون التوقّف عند تجربة صحيفة «الجريدة الأولى» التي كان يديرها علي أنزولا (الصورة). هذا الأخير وقف مراراً أمام لجان التحقيق بسبب مقالات أو أخبار نشرت في الصحيفة. وآخر هذه اللجان حقّّّقت معه ومع الصحافية بشرى الضو بعد نشر خبر كاذب عن صحة الملك المغربي محمد السادس في أيلول (سبتمبر) 2009. ومنذ ذلك التحقيق الشهير، بدأت المشاكل تلاحق الصحيفة التي خلقت حراكاً على الساحة الإعلامية المغربية. إلا أنّها وصلت إلى مصيرها المحتوم وتوقّفت عن الصدور الشهر الماضي، قبل عشرة أيام من الاحتفال بالذكرى الثانية لصدور عددها الأول (19 مايو/ أيار 2008). والسبب المعلن لهذا التوقّف كان «إعادة الهيكلة مالياً وتحريرياً». ولو لم تتوقّف الصحيفة لكانت أحوالها ستتحسّن حتماً، إذ كان يمكنها أن تبدأ من الاستفادة من مساعدة الدولة.
وعند الحديث عن «الجريدة الأولى»، لا بدّ من الإضاءة على الرصيد الإعلامي الذي راكمته هذه الصحيفة طيلة العامَين الماضيَين، إن كان لجهة المهنية أو الاستقلالية التي سعت للحفاظ عليها. لكنّ هذه الاستقلالية ما لبثت أن تعرّضت لانتكاسات، تمثّلت في تدّخل بعض المساهمين (وعددهم 20) في سير العمل، ووضع لائحة بالأسماء التي لا ينبغي الكتابة عنها. وكان لكلّ مساهم لائحته المقدّسة، وتوجّهه المحمي، حتى ضاق هامش النقد والكتابة المستقلة. وأصبحت الجريدة تريد فعلياً التخلص من نفسها، بعد أزمة حقيقية في الخط التحريري. وهي أزمة بنيوية داخلية، أُضيفت إليها أزمة خارجية، أثّرت كثيراً في مصادر تمويل الصحيفة. مثلاً كانت شركة «اتصالات المغرب» ترفض إعطاء الإعلانات لهذه الصحيفة، عقاباً لها على قول الحقيقة.
واللافت في المسألة هو غياب التضامن الإعلامي والمدني مع صحيفة توقّفت عن الصدور. بل إنّ الأمور لا تقف عند هذا الحدّ، إذ يبدي الجسم الإعلامي في المغرب لامبالاة واضحة تجاه مصادرة أي مطبوعة أو محاكمة صحافيين ومحرّرين. وهذا الأمر يطرح علامات استفهام عدّة، ويؤكّد أنّ الدولة نجحت في كسر التضامن المهني بين الصحافيين. طبعاً، يدرك الإعلاميون هذا الأمر جيداً. وهو ما يشير إلى أنّ الجسم الصحافي المغربي بات جسماً هشاً ومخترقاً. ولعل تعبير توفيق بوعشرين، مدير جريدة «أخبار اليوم»، يصحّ هنا، إذ قال: «السلطة تريد كرسياً داخل قاعة التحرير».
واحتجاجاً على هذا الوضع، صدر عدد الاثنين 21 حزيران (يونيو) الحالي من صحيفة «أخبار اليوم» مع زاوية فارغة لبوعشرين، في إشارة إلى الضربات الموجعة وحملات الإضعاف التي تتعرض لها الصحافة المستقلة.
هكذا، يبدو أنّ مرحلة تدجين الصحافة حلّت بعدما تم تدجين الأحزاب. باختصار، يجمع المراقبون على أن كل ما يحصل هو مصادرة لحق الناس في المعرفة. ويجمع هؤلاء أيضاً على أنّ المغرب اليوم أحوج ما يكون إلى جسم إعلامي قوي وحرّ مع تعدد رهانات التنمية والتحديث.