بعد خمس سنوات على انطلاقتها، جاءت القناة الأميركية بلورانس هارفي زيغر عام 1985. بنظّارته البارزة وشعره المسرّح، تحوّل إلى «محمد علي المقابلات التلفزيونية». وها هو يُعلن انسحابه من المشهد
صباح أيوب
لو لم يكن لاري كينغ في «سي إن إن»، لوجب خلقه! بعد خمس سنوات على انطلاقتها كظاهرة في الإعلام الأميركي والعالمي، كان على القناة الإخبارية الأولى في العالم أن تخلق نجماً لها بعيداً عن مراسلي الأخبار الميدانية، فتحجز لنفسها ماركة مسجّلة في عالم الاستعراض. ذلك النجم كان لورانس هارفي زيغر الملقّب بـ «لاري كينغ».
الشاب الذي اضطر منذ بداية طريقه المهنية إلى أن يغيّر شهرته، لكونها تشير بوضوح إلى هويته اليهودية، نقل خبرته الإذاعية إلى محطة الكابل. كينغ كان ملك الهواء الإذاعي حتى عام 1984، يحاور الشخصيات ويناقش مواضيع الساعة، ويستقبل اتصالات المستمعين من جميع أنحاء الولايات المتحدة. اجتذب آذان الأميركيّين في برنامجه الإذاعي، فاختارته «سي إن إن» ليملأ لها فراغاً في البرامج الحوارية، ويضيف فئات متنوّعة إلى جمهورها الواسع. المحطة التي احتضنته تقول صراحةً إنّ «كينغ ساعد على تحديد مستقبل برامج الكابل ومستقبل «سي إن إن»»، وبالفعل، تحوّل كينغ إلى أحد عمالقة ما بات يعرف بـ «الانفوتاينمنت» Infotainment، أو تقديم الأخبار في قالب مسلٍّ. دخل لاري المحطة من بابها العريض في برنامج «لاري كينغ لايف» Larry King Live في حزيران (يونيو) عام 1985. وها هو يعلن في حزيران 2010 أنه سينهي البرنامج في الخريف المقبل. بعد 25 سنة من حلقات البث الحي، حيث أجرى أكثر من 40 ألف مقابلة تلفزيونية، أعلن الإعلامي (76 عاماً) منذ أيام على الهواء أنه «أبدى رغبة في إنهاء برنامجه»، وأنّ «سي إن إن» وافقت على ذلك، مانحةً إيّاه فرصة «قضاء وقت أكثر مع زوجته وأولاده».
انخفضت نسبة مشاهدة برنامجه مع صعود شعبية البرامج السياسية ــ الفكاهية
نجم «سي إن إن» أكّد أنه سيبقى ضمن عائلة المحطة، وسيشارك في تقديم بعض الحلقات في مناسبات خاصة. وكانت نسبة مشاهدة برنامج كينغ قد انخفضت انخفاضاً دراماتيكيّاً في السنوات الخمس الأخيرة، بعد صعود شعبية البرامج السياسية ـــــ الفكاهية، وبرامج المقابلات السريعة مع نجوم الشاشة. بنظّارته البارزة و«الحمّالات» والشعر المسرّح جيداً، اشتهر كينغ بمظهره الخاص والمريح الذي يشبه حواراته. إذ إنّه يُعرف عن هذا الإعلامي أنه مباشر وصريح في أسئلته، لكنه يتجنّب المواجهات العنيفة، أو أخذ طرف في حواراته، فيعطي مساحة الهواء الأكبر لضيوفه. حلقاته لم تكن صاخبة في مضمونها بقدر ما كانت مهمة بضيوفها: «هو مستمع جيّد قبل أيّ شيء» يجمع معظم من جلسوا على طاولته، معبّرين عن «متعة» في الحوار معه لأنه «يبدي اهتماماً حقيقياً بما يقوله ضيفه». مجموعة ضيوف لاري خلال ربع قرن تبدأ بجميع رؤساء الولايات المتحدة، مروراً بياسر عرفات والملك حسين وإسحق رابين في حلقة خاصة عن «عملية السلام» في 1995، ومارغريت تاتشر، وطوني بلير، ومارلون براندو، وهيلاري كلينتون، ومارك فيلت، وميخائيل غورباتشوف، بيلي غراهام، مايكل جوردن، مونيكا لوينسكي، مادونا، بول ماكارتني، آل باتشينو، برينس، فرانك سيناترا...
«محمد علي المقابلات التلفزيونية» هكذا لقّب كينغ بعد العصر الذهبي الذي عاشه في التسعينيات، حيث بلغت نسبة مشاهدي البرنامج 16،3 مليون شخص عام 1993. حياة كينغ الشخصية كانت صاخبة أيضاً، مع ثماني زيجات وثلاثة أولاد، وعملية في القلب، لكنّ ذلك لم يعطّله يوماً عن المجيء إلى الاستوديو لمحاورة ضيوفه. لا شكّ في أنّ «كلاسيكية» كينغ أدّت دوراً في انخفاض عدد مشاهديه أخيراً، وقد أدركت «سي إن إن» ذلك، فقبلت انسحاب نجمها فوراً. وها هي تعدّ لبرامج ومذيعين بدلاء يركبون موجة «الاستعراض الإعلامي السياسي» الجديدة.