وودي آلن: حياة ملؤها الصخب، ولكن... زياد عبد الله
لا جديد لدى «السيّد» وودي آلن في فيلمه You Will Meet a Tall Dark Stranger. الخلطة هنا هي نفسها، لكن بألوان أقل بريقاً، ومآزق تتحرك فيها الشخصيات مستنسخة عن مآزق شخصيات من أفلامه الكثيرة السابقة: الحب، والعلاقات الزوجية الفاشلة، وتشابك المصائر وتداخلها، مع رشة من السحر أو الماورائيات، ثم قول لشكسبير يبدأ به الفيلم «حياة ملؤها الصخب والعنف ولا تعني شيئاً أبداً».
آلن بلغ الخامسة والسبعين، لا يعرف التوقف أبداً لأنّه، حسب تعبيره، لا يدرك معنى الإجازة ولا يعرف فعل شيء إلا الأفلام. وهو يشارف الآن على إنهاء فيلم آخر له بعنوان «باريس عند منتصف الليل» يقارب التصاقه الكبير بأوروبا، كما هي أفلامه الأخيرة. وهو الأمر الذي يمتد إلى فيلمه «ستلتقي غريباً طويلاً أسمر اللون» الذي يستكمل من خلاله أفلامه اللندنية Match point و«سكووب» و«حلم كاسندرا».
«ستلتقي غريباً طويلاً أسمر اللون» محتشد بالنجوم الذين يكونون عنصر حسم في الشريط. إنها مصائر عائلية تبدأ من سالي (نعومي واتس) وزوجها روي (جوش برولين). سالي تعمل في مجال الفن التشكيلي، وتحصل على فرصة عمل في أهم غاليري في لندن، يملكها غريغ (أنطونيو بانديراس)، بينما زوجها روي كاتب حقّق روايةً واحدةً مهمّة، نالت نجاحاً، وها هو يعيش عجزه عن كتابة عمل ثان يلقى القبول من الناشرين.

الكوميدي صار يكتفي بالوقوف خلف الكاميرا

سيكون الحب كما في أفلام آلن أمراً فائق التعقيد، ومحاطاً دوماً بعجز متأصل عن الاستمرار. وبالتالي، سيجد روي خلاصه مع جارته ديا (فريدا بينتو) بفستانها الأحمر الذي تطل به من النافذة المقابلة لبيته. وهي سرعان ما تتخلى عن خطيبها كرمى لعينيه، بينما تقع سالي في غرام غريغ لكن من طرف واحد، وهي تكتشف علاقته المفاجئة بصديقتها الرسّامة التي كانت تظن أنّها تتوسط لدى غريغ كي يقبل بعرض أعمالها في الغاليري.
وفي جيل آخر، أي والد سالي الذي يدعى آلفي (أنطوني هوبكنز) ووالدتها هيلينا (جيما جونز)، سيقع الانفصال أيضاً: الأول سيبحث عن مباهج حياته في خريف العمر فيقع في شباك بائعة هوى لا يعينه عليها إلا حبوب الفياغرا، ونجده غارقاً في مفارقات تأتي من فارق العمر بينه وبين زوجته الشابة، وقدرتها على خيانته بمجرد أن يدير ظهره لها، بينما ستقع هيلينا في شرك قارئة الحظ التي ستصبح تبعيّتها لها عمياء، لا بل إنها لن تقوم بشيء ما لم توافق عليه قارئة الحظ.
ثرثرة وودي آلن الشهيرة في أفلامه، ستكون حاضرة هنا، لكنّها خالية من إصراره السابق على تحميلها بالكثير من الانعطافات والاقتباسات، وإلى ما هنالك من نيتشوية، وفرويدية، وتحاليل نفسية كثيرة لظواهر مثل الخيانة والملل والهجران، والغوص في أعمال أدبية وفنية.
ولعل أفلامه الأخيرة في مجملها ما عادت تحمل شطحاته التي كانت أجمل ما في أعماله. فتأثير قارئة الحظ في هيلين سيحوي شيئاً من الحنين إلى ما كانت تحمله أفلامه في الأيام الخوالي من دون أن تتعدّى ذلك في سياق الفيلم. وكل تلك العلاقات التي ينفرط عقدها ستدفع إلى الشعور بأن مصيرها كان كذلك لأن هذا ما يجب أن يحدث لا غير، من دون عناية بمنطق درامي، أو منطق وودي آلان نفسه الذي يأتي من دواخل الشخصية أو دواخل النفس البشرية وتناقضاتها التي كانت تدفعنا إلى الضحك في ما مضى.
الكوميديا في هذا الفيلم لا تأتي من البنية والتحليل، بل من المواقف التي تضع الشخصيات نفسها فيها. وقد كانت تلك الثرثرة مرتبطة أيضاً بوودي آلن الممثل، وأسلوبه الخاص الهلع، وكلماته المتتابعة والمتلاحقة. لكنّ الكوميدي صار يكتفي بالوقوف خلف الكاميرا، وقد كان آخر ظهور له أمامها في فيلمه «سكووب».