رغم ازدهار الدراما السورية، لا يزال قطاع السينما يعاني عدداً كبيراً من المشاكل. إلا أنّ تجربة المخرج السوري الشاب مع القطاع الخاص، بدأت تكسر احتكار الجهات الرسمية للإنتاج السينمائي
وسام كنعان
تبدو مسألة إنجاز فيلم سينمائي سوري أمراً في غاية الصعوبة. حتى لو أرادت «مؤسسة السينما السورية» إنتاج أحد الأشرطة المدرجة ضمن خطتها السنوية، فإنها ستُلقي على عاتق مخرج العمل مهمة البحث عن شريك في الإنتاج من القطاع الخاص إذا تجاوزت الميزانية نصف مليون دولار.
في ظلّ هذا الواقع، استطاع المخرج الشاب محمد عبد العزيز منذ سنوات إنجاز شريطه الروائي الأول «نصف ميلغرام نيكوتين» من إنتاج شركة «الشرق» (يملكها نبيل طعمة)، فكان العمل باكورة إنتاج القطاع الخاص للسينما. وعلى رغم مشاركة الفيلم في مهرجانات دولية، إلا أنه لم ينل الموافقة اللازمة ليعرض في «مهرجان دمشق السينمائي»، فشاهده الجمهور السوري في عرض واحد فقط في «سينما الشام».
وحالياً، أنهى عبد العزيز تصوير فيلمه الجديد «دمشق مع حبي» وهو من تأليفه أيضاً، ويقوم بعملية مونتاج المشاهد التي صُوِّرت في دمشق، وصيدنايا، ومعلولا إضافة إلى الساحل السوري.
يروي الفيلم الجديد قصة فتاة تنوي الهجرة من دمشق لكنها تكتشف سراً ما في اللحظة الأخيرة، فتعود وتبدأ رحلة داخل مدينتها لتتعرف إلى الجانب الخفي والساحر من العاصمة السورية، من دون الاقتراب من الأجواء الفولكلورية والـ«كليشيه» الذي غالباً ما يرافق أي عمل يتناول دمشق. كما يمر العمل على الأقليات من غير المسلمين كجزء أساسي من مجتمع هذه المدينة والتنوع الديني فيه. باختصار، الفيلم يحمل طابعاً إنسانياً بحتاً ويسلّط الضوء على المدينة المأهولة الأقدم في العالم.
«سيشارك الشريط في مهرجان عربي، ثم سننفّذ خطة عرض جماهيرية في سوريا والوطن العربي والعالم. وإذا حقّقنا نسبة قبول جماهيري في سوريا، فسيكون الشريط بدايةً لإنجاز مجموعة من الأفلام السينمائية تنتجها شركة «الشرق»»، يقول محمد عبد العزيز لـ«الأخبار». ويضيف أن الشريط «سيُظهر الثقافة السورية ومدى تشابهها مع ثقافات دول حوض المتوسط».
وعند الحديث عن «دمشق مع حبي»، لا بدّ من الإشارة إلى الزمن القياسي الذي انتهى فيه تصوير المشاهد وهو 24 يوماً. وقد أكد المخرج الشاب أنه استخدم أحدث التقنيات، من دون المبالغة في الميزانية التي رفض التصريح عن قيمتها. ويقول: «يمكننا في سوريا إنجاز فيلم بمواصفات جيدة وبميزانية فيديو كليب واحد، بسبب انخفاض التكاليف قياساً مع باقي الدول، ولأن الممثل السوري يتغاضى عن مسألة الأجور. إذ يتقاضى الممثل أجراً قليلاً جداً قياساً مع ما يتقاضاه في التلفزيون لرغبته في العمل السينمائي، وكنوع من التعاون حتى تتجاوز السينما السورية أزمتها».
ينأى «دمشق مع حبي» عن الفولكلورية والكليشيهات ويرصد تنوّع المدينة
أما عن اختياراته للممثلين، وخصوصاً أن بعضهم يقف أمام كاميرا السينما للمرة الأولى، فيشرح عبد العزيز أن هذا الأمر «لا يمثّل أي عائق، عندما يكون هناك مخرج يجيد صناعة اللقطة السينمائية». كما يؤكد أنّه استطاع التعاقد مع من أراد من الممثلين، على رغم أن بعض شخصياته لا تتجاوز مدة ظهورها أربع دقائق، وقد جسدها نجوم كفارس الحلو، وياسين بقوش، «والسبب هو أنّ الجميع أعجب بالنص المكتوب». وستكون البطولة للنجم خالد تاجا إضافة إلى جهاد سعد، وسامر عمران، وميلاد يوسف، ومرح جبر، ولينا دياب، وأنطوانيت نجيب، وبسام لطفي، ومجوعة كبيرة من متخرّجي «المعهد العالي للفنون المسرحية». إذ يصل عدد شخصيات الشريط إلى حوالى 43 شخصية. وأثناء متابعته المونتاج، يبدي المخرج حالة رضا نسبي عن أداء ممثليه لكنه يكتشف بعض الهفوات، الأمر الذي سيدفعه كما يقول إلى الرجوع إلى الكاميرا بهدف تصوير مشاهد إضافية تغني العمل.
ويرى عبد العزيز أن الفيلم فسحة ليكون الممثل السوري حاضراً في الفن السابع بعيداً عن استهلاك طاقاته في ثرثرة الدراما التلفزيونية. ويجزم بأنه لم يتمكّن حتى الآن أي مخرج سوري من استخدام آليات السينما وتقنياتها في الدراما التلفزيونية، بل العكس، إذ يقول «شاهدنا طريقة عمل التلفزيون في السينما السورية التي أنتجت عبر تاريخها عدداً من الأفلام، لكن الأعمال الجيدة لا يتجاوز عددها الثلاثة».
وحتى الساعة، يبدو أن أسهم «دمشق مع حبّي» ارتفعت مع انتشار مشاركة الفنانة الفلسطينية ريما البنا في بعض الأغاني في العمل. وهو أكدته البنا نفسها لـ«الأخبار» (راجع الكادر).
هكذا، سيكون الجمهور السوري على موعد مع عرض جماهيري للشريط الذي تابعته الرقابة بحرص شديد، من دون التدخل في حيثياته أو حذف أي من مشاهده. فيما لا تزال بعض إنتاجات السينما في القطاع الخاص تواجه مشاكل رقابية تمنع عرضها جماهيرياً. وهو ما حصل مع شريط حاتم علي «الليل الطويل» الذي جال على دول عدة دون أن يحظى بفرصة عرض سوري واحدة.


ريم البنا تكسر الحصار

اتفق محمد عبد العزيز مع ريم البنا على مشاركتها في «دمشق مع حبي». وتقول المغنية الفلسطينية لـ«الأخبار» «أنشد بعض المقاطع التي سأعمل عليها خصّيصاً لهذا الفيلم الذي أعجبتني فكرته، وخصوصاً أنّه يطرح قضية اختلاف الأديان والقوميات التي تجتمع على حُبّ دمشق». وترى أن عبد العزيز قد يكون اختارها بسبب حبّها الكبير للعاصمة السورية «لا سيّما أن جدّتي شامية». وتؤكد أنّ مشاركتها في الفيلم « هي تحدٍّ جديد للاحتلال من خلال التواصل الفني والروحي بين فلسطين وسوريا، كما أنها جزء من كسر الحصار المفروض على الفلسطينيين». وكدليل على حماستها لهذا المشروع، تقول الفنانة التي تنتمي إلى فلسطينيي الـ1948 إنّها ستشارك فيه حتى لو اعتُقِلت «سأفكر بطريقة أسجّل فيها صوتي من السجن».