زينب مرعييصعب وضع النصوص التي يقدّمها يوسف هزيمة في كتابه «المقبرة في ساعة متأخرة من الليل» (دار المحجّة البيضاء ـــــ بيروت) في خانة أدبيّة محدّدة. وإن كان الكاتب والباحث في علوم الشريعة يصنّفها بأنها مجموعة قصصيّة، فإنّ ما يقدّمه يقترب من القصص القصيرة أو المقالات التي تلتقي أحياناً بأدب السيرة والرحلة، والاجتماع والفن.
قصص بين الواقعي والمتخيّل، ينتقد الكاتب من خلالها مظاهر اجتماعيّة وعادات دينيّة، يستلّ بعضها من حياته أو من مواقف صادفته شخصياً، في مكان عمله أو من خلال تجواله. وبعضها الآخر هو متخيّل على نحو كامل، لكن من دون أن يحيد عن الهدف الرئيسي، ألا وهو تقديم النقد الاجتماعي.
بأسلوب صحافي بسيط، يتطرّق هزيمة إلى مواضيع الجشع، التعلّق بالمظاهر الخارجيّة، هجر الناس للكتب والمطالعة، وتراجع مستوى الثقافة وموضوع التخلّي عن اللغة العربية الذي يظهر في قصّة «أين أنت يا سيبويه!؟». كذلك ينتقد هزيمة العادات الدينيّة القديمة والتعلّق بقشور دينيّة كما في «المقبرة في ساعة متأخّرة من الليل» و«خيرة الحاج محمود تخطئ أم لا تخطئ!؟».
من خلال نقده لبعض المظاهر الاجتماعيّة، يذهب الكاتب إلى رسم شخصيّات منمّطة نصادفها في حياتنا اليوميّة. فتظهر كثيراً في قصصه شخصية الجشِع أو المغرور وغيرهما من الذين ينالون جزاءهم في نهاية كل قصة، ويستخلص منها القارئ عبرته. يشبه الكاتب في ذلك الحكواتي. لكن ليست العبرة التي تنتظرك في نهاية معظم القصص هي فقط التي تحيل إلى فن الحكواتي. يعتمد هزيمة هنا أسلوباً يقترب فيه من ذلك الشفهي، إن كان من ناحية الإسهاب في الشرح أو تكرار الجملة ذاتها بأشكال مختلفة. كذلك يعتمد أسلوب مخاطبة القارئ مباشرة، ليضعه بهذه الطريقة في قلب القصة، فيحاوره ويخاطبه. يسأل قرّاءه في قصة «الأستاذ جورج خلّف ومات» مثلاً: «إن قلت لكم إنه رحل منذ سنين قليلة جداً، أفلا تحزنون؟»، أو عندما يكرّر في محطات عدّة من الكتاب «المهم يا أعزّائي».
قد يكون اعتماد الأسلوب الشفهي في هذه القصص يعود إلى أنّ بعضها كُتب لبرامج إذاعيّة أصلاً، لكن كنّا نتمنى لو أنّ الكاتب اهتم بخصوصيّة المكتوب أكثر خلال مراجعته لقصصه قبل جمعها في الكتاب.