محمد خير«لكن الشرط الاجتماعي القائم لا يسمح بعرض اللوحات العارية. «زمن أهبل»، هكذا يعلّق حسن سليمان، لكنه يخضع للزمن الرديء!». يصعب تصنيف كتاب عبلة الرويني «نساء حسن سليمان» (المجلس الأعلى للثقافة ـــــ القاهرة)، لكن يمكن وصفه بزيارة مطوّلة إلى مرسم (وروح) التشكيلي المصري حسن سليمان (1928ـــــ 2008).
هناك، في الطابق السابع «7 شارع شامبليون» وسط القاهرة، أقام الفنان المصري نصف قرن في شقة صغيرة كان يسكنها أحمد بن بيللا في الخمسينيات، قبل أن يهديها إلى صديقه الفنان. الشمس اعتادت أن تغمر المرسم عبر «شرفة صغيرة بأعمدة حديدية مطليّة باللون الأسود، كثيراً ما نجدها داخل لوحات حسن سليمان، مثلما نرى الكرسي الخشبي الهزّاز يحتل منتصف الغرفة، الذي جلست عليه الكثيرات من نساء اللوحات». عبر الكتاب الذي يضم 52 لوحة للفنان، بدت نساء من كل لون، ملامحهن معتمة لأنّ الضوء كان يأتي دوماً من خلفهن، هكذا كان اختيار الفنان الذي تصفه الرويني بـ «أعظم أصدقائي، وأكثرهم جنوناً».
ليس الكتاب تأمّلاً في سيرة سليمان، ولا محض نقد فني لتقنياته. هو ـــــ كما يشرح اسمه ـــــ التقاط شريحة عرضية من منجز الراحل الكبير، نسائه ـــــ أو نساء مصر ـــــ كما كشفتهن لوحاته، ورأتهن عيناه.
لم يعد ذلك مسموحاً برسم الموديل العاري في كلية الفنون
يستند الكتاب إلى لوحات معرضه «نساء القاهرة» (2002)، ويمزج الفن بالصحافة، فيبحث عن الفتيات اللواتي أدّين بطولة اللوحات: صفية، عطيات، ياسمين، من هن؟ من هي «فتاة الجمالية» التي كانت بطلة «نساء القاهرة»؟ يجيب الرسام أو يحاول أن يجيب «فتاة الجمالية، 26 عاماً، تعمل كوافيرة وزوجها يعمل في محل لعب أطفال، ولها طفلان. قلت: ما اسمها؟ قال: لا أذكر، ربما سناء، على كل حال اسمها مدوّن في دفتر التلفون. وعندما سألته بعد أسابيع عن ذات اللوحة، وعن اسم الموديل، قال: إنها سلوى، عمرها 23 عاماً، عاملة نظافة في إحدى الشركات». نتأمل لوحات الزيت والباستيل والفحم على الورق، نقرأ حكاية كل موديل أمام لوحتها، موديلات لهنّ خصوصية لأنّ سليمان لم يكن يرسم الجسد فوق اللوحة إلّا عارياً «النسب الصحيحة عارية بالضرورة، بل لا تكون صحيحة إلّا عارية، ولا يمكن أن يتم تجريد سليم دون عري». لم يعد ذلك ممكناً في مصر بعد أوائل السبعينيات. آنذاك صدر قرار بمنع تدريس الموديل العاري في كلية الفنون الجميلة. قرار كان الأول من نوعه، منذ أسس الأمير يوسف كمال مدرسة الفنون عام 1907. قرار «أصاب معظم من يرسمون الجسد البشري في مصر بحالة من انعدام الثقة وارتعاش الأيدي». لكن حسن سليمان الذي تعلم التعامل مع جسد الموديل في مرسم اليوغوسلافي غايل غيلبرت، ظل يرسم موديلاته عاريات ثم يعتمهن بألعاب الضوء وحيل الألوان. أثناء الرسم، قد يستمع إلى رأي الموديل «من قال إنّ الإنسان البسيط لا يحس، ليس لديه وعي بالجمال؟ إنها تدرك اللوحة تماماً لأنها شريك فيها». وفي بحثه عن الموديل العاري، لم يعطّله المجتمع المحافظ فحسب، بل كذلك سوء التغذية والظروف الاقتصادية السيئة التي أفسدت الجسد المصري وأعطبت نسبه وتكوينه. لكن لحسن الحظ، لم يكن حسن سليمان مضطراً إلى البحث عن «فتاة الإعلان ولا المانيكان ولا الراقصة»، لأنه كان يعرف أنّ «الموديل الحقيقية نموذج آخر مختلف، هي الجسد المتكامل مع نفسه».