تحوّلات في فضاء الضاحية ومعرض عن عدوان تموززينب مرعي
في فترة ما بعد حرب تموز 2006، طرأ تغيير كبير على المشهد الفني في الضاحية. اللوحات الإعلانية في شوارعها، تلك التي تخاطبك في المناسبات الدينيّة أو تُعلن دعمها للمقاومة، انتقلت إلى مستوى فني آخر لناحية الجودة والإتقان والمضمون البصري... كان لـ«الجمعية اللبنانية للفنون» (رسالات) دور كبير في هذا التحوّل. حملاتها الإعلاميّة التي تكشّفت خلال المرحلة الأخيرة في مناسبات مختلفة، من عاشوراء و15 شعبان إلى احتفالات النصر، لها جذور أعمق من مجرّد الإعلان والترويج. هي جمعيّة تهدف منذ تأسيسها عام 2005 إلى بناء أسس نظريّة للفنون على القواعد الإسلاميّة، الأصيلة منها والمعاصرة، بهدف خلق مرجعيّة مؤسّسة وواضحة للثقافة الفنيّة... في هذا السياق، تفتتح «رسالات» اليوم في مركزها (الغبيري/ الضاحية الجنوبيّة) معرضاً تحت عنوان «شهود»، تعرض فيه 33 صورة فوتوغرافيّة التقطها مصوّرون لبنانيون خلال عدوان تموز 2006المعرض الذي يوثّق الحرب يوماً بيوم، يندرج ضمن سعي «رسالات» إلى خلق «بيئة إبداعيّة» تصهر أصحاب الاختصاصات والطاقات والمواهب ضمن أطر أكاديميّة وإنتاجيّة تفاعليّة... هذا إلى جانب سعيها إلى إيصال «رؤيتها وتجربتها الحضاريّة» إلى أوسع دائرة ممكنة من المتلقّين على المستوى المحلّي والعالمي. «رسالات» التي بدأت عملها في مجال الإنشاد والموسيقى وأنشأت الأوركسترا الخاصة بها، ترى أنّها أرست مستوى جديداً في التأليف الموسيقي، جعلت الآخرين لا يحيدون عنه اليوم. ومن تلك الأناشيد الشهيرة، كرّت السبحة إلى أنواع فنيّة أخرى، من الفنون البصريّة إلى الفنون السمعيّة البصرية وفنون الأداء.
يقول المدير العام للجمعية محمد كوثراني إنّ «حزب الله كلّفنا رفع مستوى لغتنا الفنية، والوصول بها إلى مستوى عالٍ من الاحتراف». تشتغل الجمعيّة في ميدان الفن الملتزم دينياً، وتحاول إحياء التراث الإسلامي بخطاب معاصر. ورغم أن «رسالات» غير بعيدة عن نهج المقاومة، يلفت كوثراني إلى أنّ الجمعيّة مستقلّة: «الحزب لا يدعم الجمعية على المستوى المالي، بل يتعامل معنا في هذا الموضوع كزبون، بمعنى أنّه يدفع كلفة الإنتاج الذي يطلبه منّا». يسهم «حزب الله» في إنتاج الأعمال التي يرى أنّها تخدم قضيّته، من هنا أسهم في إنتاج الوثائقي «أهل الوفا» (2009) الذي أخرجه السوري نجدت أنزور.

يعترف محمد كوثراني بأنّ التطوّر الحقيقي للفن كان بعيداً عن تيّار الالتزام الديني
اهتمام «رسالات» والقوى السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة التي وراءها، بوسائل التعبير الفني، يشي بحاجة حقيقيّة إلى الانفتاح بأشكال مختلفة على أحكام العصر ولغاته ومتطلباته، إذ يرى كوثراني أنّ الفن «الملتزم» يستطيع أن يُخرج الممارسة والتراث الديني من إطار العادة وينقلهما إلى مستوى الوعي لدى الإنسان. ويضيف كوثراني أنّه «بعد تجربة الإسلام السياسي مع الخميني، اختلف كثيراً مفهوم علاقة الدين بالفن. فتحوّل الفن من «تابو» بحدّ ذاته إلى تجربة قابلة للاختبار». هكذا أخذت «رسالات» على عاتقها إتاحة المشاهدات الفنيّة المتّصلة بالقيم للناس، وإحاطتهم بلغة بصريّة هدفها الأول التوعية.
لا ينكر كوثراني أنّ التطوّر الحقيقي للفن كان بعيداً عن تيار «الفن الملتزم»، بل قاده فنانون رأوا في الفن غايةً في حدّ ذاته. وأشار إلى أنّ نجاح «رسالات» في تقديم «الفن الملتزم دينياً» بمستوى متقدّم، كان نتيجة اتباعها التقنيات الفنيّة البعيدة عن نهج الفن الملتزم. لكن ما هو هامش الحريّة في ما تقدّمه هذه الجمعيّة؟ يجيب كوثراني بأن المرجع الوحيد هو قيم الثورة الإسلامية. الجمعيّة لا تغفل هذا الجانب في إنشاء مكتبتها السينمائية التي يُفترض أن تصبح جاهزةً في عام 2011، وهي تضمّ 4 آلاف فيلم، إلى جانب إنشائها جزءاً آخر للمكتبة يضمّ كتباً متخصّصة في السينما. ولا تعتمد «رسالات» في إنشاء مكتبتها على أفلام هوليوودية ضخمة، بل على تلك الأوروبيّة والعربية والإيرانية، مع التركيز على الأفلام الهادفة، أي التي تحمل معنى اجتماعياً، أو تدافع عن قضية سياسية، وتخضع بعض الأفلام لعمليّة مونتاج.
يرى كوثراني أنّ المونتاج لا يشمل المشاهد التي تساعد في تنمية الحسّ النقدي لدى الناس، لكنه يقصّ المشاهد «المباشرة في أسلوبها أو المصنّفة للكبار» التي يمكنها أن تزعج «الجمهور المستهدف». تضع الجمعية في هذه الخانة بدايةً جمهور المقاومة، ثم الجمهور اللبناني عموماً، كذلك فهي تترجم أعمالها إلى لغات عدّة، منها العبريّة، لتنقلها إلى عقر دار العدوّ الصهيوني. تطمح «رسالات» إلى أن تنفتح على الجمهور اللبناني عموماً، رغم فهمها لصعوبة هذا الأمر. فقد اختارت أن يكون مركز جمعيّتها في منطقة الغبيري، على حافة عالمين، بين بيروت وضاحيتها الجنوبيّة.


معرض «شهود» ـــــ السادسة مساء اليوم حتى 7 آب (أغسطس) ـــــ مسرح «رسالات» (المركز الثقافي لبلدية الغبيري، ضاحية بيروت الجنوبيّة). للاستعلام: 70/806929