ربيع فرانفي الساعة الثالثة والنصف من يوم الاعتصام الكبير. للوهلة الأولى، تخال نفسك لن تصل إلى فيروز كي تقف إلى جانبها. للوهلة الأولى، تستعجل عجلات السيارة إلى المتحف الذي ظل يغرِّد بصوتها وأغنياتها طيلة فترة الحرب الأهلية. للوهلة الأولى، ستقف لتقول إنّك ضد منع فيروز من الغناء. لكن في الثالثة والنصف من بعد ظهر الاثنين 26 تموز (يوليو) الماضي، تشهد مستديرة المتحف حركة سير عادية. لا بل إنّها تعاني زحمة سير خانقة في الأيام العادية، فكيف إن كان اليوم هو يوم ملاقاة صوت فيروز ولو عبر مذياع رُفع ليبقى صوتها عالياً ومسموعاً «تيضل يوَدّي»؟
الناس تجمهروا على درج المتحف. وحدها وسائل الإعلام كانت بالمرصاد لأي تحرك أو صعود ونزول على الدرج التاريخي. الصحافيون يتبادلون التحية هنا وهناك. المغنية رولا سعد وقفت جانباً تلتقط الصور المجانية، وهي تحمل صورة السيدة «المعتصم لأجلها». وفي الجهة المقابلة، جوليا بطرس (الصورة) تطير غضباً معلنةً أنّ فيروز ملك للبنان وصوتها سيظل مدوّياً. عند أعلى الدرج، وقفت إلهام شاهين التي قيل إنّها وصلت لبنان لتصوير مسلسل جديد، وليس من أجل التضامن مع فيروز فقط. تنهال الممثلة المصرية بتصاريح وكلمات لا تشبه رومانسية السيدة الكبيرة. تلتقط نفساً طويلاً يتخلله صراخ ومزيد من الصور. نزولاً عند الدرج، بدا المغني زياد برجي يحرك ساعديه معلناً التضامن مع فيروز، ووسائل الإعلام تتهافت على سبق قد يجعلها مختلفةً. استياء ارتسم على ملامح سيدة أميركية لبنانية الأصل، كانت قد وصلت للتو للمشاركة في الوقفة «الصامتة»، لكن آمالها خابت. قالت لـ«الأخبار»: «في التسعينيات، حضرت إلى لبنان خصيصاً لسماع فيروز في قلب بيروت. يومها، كانت بيروت تزحف إلى قلبها وتطوف بالناس. اليوم، لا أحد على هذا الدرج إلا قلة قليلة». وأضافت «هذا لا يليق بفيروز» صمتت ومشت لتستقلّ تاكسي من بوابة المتحف عائدةً من حيث أتت.
ليس من كلمات كما كان متوقعاً، ولا سياسيين تضامنوا أو بعثوا برسائل تصلح ما أفسده المال والحقوق والملكية.
لعلّه الفلكلور وحب الظهور هما ما دفعا بعض المعترضين إلى الحضور إلى درج المتحف اللبناني، حتى كانت المفاجأة بحضور مزيّن شعر آلمه ما قيل عن منع فيروز وقرار القضاء. المزين الشهير وصل بعد ساعة تقريباً من بدء الاعتصام، وزّع ابتساماته على الكاميرات وأطلق تصريحات للفضائيات الكثيرة.
غاب عن الاعتصام الكثير من الأصوات الواعية لحقيقة المشكلة. لم يحضر رجال الثقافة والكلمة من أصدقاء السيدة ومعجبيها. غابوا جميعاً وربما فضلوا الصمت داخل المنازل على الاستعراض كما حصل، وكما شاهدنا. والأهم يبقى السؤال الحقيقي: مَن كسب جولة المتحف والاعتصام؟
المؤكد أنّ صوت فيروز كان وحيداً عصر ذلك اليوم. استقل صوتها الحنين إلى وطن وناس، وذهب بعيداً عن اعتصام كان يلزمه مزيد من الصمت!