مشروع بصري قوامه التنوّع والمغامرةحازم سليمان
منذ مطلع الثمانينيات، شهدت لوحة التشكيلي المصري حازم طه حسين (1961) تحوّلات عدة. البحث في تجلّيات اللون، وتلخيص واقع متشابك في إيحاءات بسيطة، واستخلاص نتائج مدهشة من مضامين مجردة، جعلت من لوحته مساحة اختبارية تتقاطع مع الراهن والتاريخ والموروث الشعبي.
تجاربه التي بدت في مرحلة ما، أقرب إلى شغب طفولي قوامه الفوضى والبدائية والحيوية، صارت اليوم مسكونة بالزمن. تبدو لوحته الآن على شكل طبقات متماسكة تخفي خلفها عوالم شديدة التنوع. هناك بعيداً في العمق أشخاص ووجوه. حياة كاملة ألقى عليها طه حجباً زخرفية، وسترة تُعيق ولا تمنع، تُجهد العين وتستنفدها.
الغواية لعبة ممتعة في مشروع يدمج عناصر ومقومات غربية في فضاء شرقي بامتياز. تضفي لعبته البصرية حراكاً وحيوية على أشكال وعناصر مجردة، وتتوارى تعبيراته خلف سطوح خادعة.
استعادة أعمال الفنان المصري الشاب في معرض «تواري الأشياء» الذي تستضيفه «غاليري البارح» في البحرين، سيكون فرصة لإلقاء الضوء على مشروع بصري قوامه التنوع والمغامرة.
رقياته التسعينية تحيلنا إلى انزياحات صارخة. حساسية طفولية في رؤية العالم، وإخضاعه إلى مزاجية خاصة في التجسيد والتجريب. العالم في تلك المرحلة كان على شكل أسماك وخنافس وتعبيرات مرحة تؤدّي المصادفة فيها دوراً جوهرياً، وخاصة في التجارب ذات المقاسات الصغيرة. انشغال طه في دراسة ممكنات اللون، واختبار حساسيات عميقة وغير طارئة في بنية اللوحة، قاده منذ عام 2000 إلى إنجاز سلسلة تجارب إيحائية تبرز فيها الكتل اللونية القوية.
القراءة العفوية للعالم تحولت إلى تجريديات زاهدة، تقشف بعضها إلى درجة الصمت، واكتست تجارب أخرى حلة ملونة وغنائية مبهجة.
منذ عام 2006، بدت مواضيع حازم طه حسين على شكل إشارات بسيطة في فضاء مجرد ومركب. السطوح العميقة تحيلنا إلى حس جيولوجي، يبدو الموضوع فيها كأنها لقيا أثرية.
صار الموضوع طيفاً أو حلماً خلف ستار من الزخارف الإسلاميّة
في أعمال مثل «الراقص والماعز» (أكريليك على ورق ـــ 165×145 سنتم)، و«الصليب والعنكبوت» (دهان وأكريليك على ورق ـــ 165×145 سنتم)، و«قنديل البحر والغواص» (أكريليك على ورق ـــ 165×145 سنتم) وصل هذا الفنان إلى حساسيات تجريدية مؤثرة. معالجاته اللونية، وتحليل الشكل إلى عناصر أولية بسيطة، جعلت اللوحة أكثر قدرة على استيعاب قراءته لمفردات الموروث الشعبي والعلاقات الاجتماعية والتحولات العميقة، من دون الوقوع في فخ التصويرية المباشرة. ثمة إنتاج وفرز جديدان لهذه العوالم التي يُلقي عليها طه فيضاً من قوة التأثير والعاطفة.
الفوضى أساسية في تجاربه. الانقلاب على اليقين والمُسَلّمات تيمة تتكرر كأنّها ضرورة مُلحة. التفاصيل الصغيرة والإشارات اللونية الدقيقة تسبغ على بعض الأعمال ملامح حالة مخبرية، كأننا ننظر إليها من خلال مجهر طبي.
غير أن العناية بالتفاصيل تقابلها مساحات بصرية غير متجانسة، وسطوح معتمة، وكتل سوداء مضاءة بوهج داخلي. ثمة حراك يعزز من قلق وتوتر يسكنان اللوحة، كأننا أمام محاولات دائمة لزعزعة سكون العمل وإمكان التآلف معه.
حازم طه حسين الحاصل على الدكتوراه في الاتصال المرئي وفلسفة التصميم من جامعة «فوبرتال» الألمانية، يبدو عالقاً في الزمن.
قراءة الشكل في أعماله تحيلنا بالضرورة إلى تعبيرية بدائية، تستفيد من تركة هائلة من رسوم الكهوف والمعابد القديمة، وتلقائية رسوم الشوارع في المدن المعاصرة. لا يحاول حازم طه حسين شرعنة لوحته ومنحها مرجعية ما. الاستفادة من مناخ الرسوم البدائية هو جزء من محاولاته تحرير لوحته من البلاغة وسطوة الصنعة. الانقلاب على الشكل، وجعل الخلل قيمة جمالية، جزء أصيل في تجربته. والتشويه المتعمد للوجوه في سلسلته الفوتوغرافية المميزة (ذاكرة من الشرق ــــ 2004) يضعنا أمام هدم لكلاسيكية الموضوع، فيما تسهم الإضافات المونتاجية في إضفاء مناخ من عدم الثقة والتشويش. لم تعد تعبيرات الوجوه هنا مرادفاً لفرز اجتماعي واقتصادي، بقدر ما هي تأسيس لشكل ينقلب على سياقه التاريخي.
تدخل هذه السلسلة إلى مناطق شديدة الالتباس. تحلل فكرة الهوية في فضاء اجتماعي مغاير، وتحلل دلالات الأيقونة والرموز الإثنية بين شرق وغرب.
تحرير الموضوع من معناه الطبيعي، بعد دمجه بعناصر ورموز رقمية وشكلية هو جزء من مشروع طه اللاحق في بناء مشهد مُركب مبني على طبقات.
في هذه المرحلة، صار الموضوع طيفاً، أو حلماً، خلف ستار من الزخارف الإسلامية. دوائر وهندسيات متكررة تضفي على العمل إيحاءات عدة، وتضعه أمام احتمالات تفسيرية متشعبة. تدمج بين عناصر شرقية وغربية، وتؤسس لفضاء قوامه التشكيك في المعنى، وتحفيز المخيلة والعين للبحث في مستويات اللوحة عن معنى مستتر
ومشاكس.

حتى 16 أكتوبر (تشرين الأول) ــــ «غاليري البارح»، البحرين ــــ للاستعلام: 0097317717707