السوق السوداء تبقى المتنفّس الأخيرالقاهرة ــ محمد شعير
لا جديد تحت الشمس. إذا كان من قاسم مشترك واحد تجمع عليه الأنظمة العربيّة بلا استثناء، فهو من دون شكّ محاصرة الكتاب الذي يكاد يعاني من «حرب إبادة». أحدث الجولات يشهدها حاليّاً «معرض الكويت الدولي للكتاب» الذي رفض دخول 120 كتاباً مصرياً. وقد تبلّغت دور النشر المصرية، الأسبوع الماضي، قائمة بأسماء الكتب الممنوعة في المعرض الذي تقام دورته الخامسة والثلاثون من 13 حتى 23 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
الأكثر إثارة للدهشة هو ردّ فعل أصحاب الشأن: يبدو أن الناشرين غير مكترثين للقائمة ومحتوياتها، لأسباب متعددة أهمها أنّ سياسة الانغلاق التي تشهدها الكويت منذ سنوات باتت متوقّعة: «كل عام يحدث الشيء ذاته»، يعلّق أحدهم. لذا فما يدهشه ليس القرار، بل كونه أثار ضجّة في الإعلام. ويضيف ناشر آخر، مقلّلاً من وقع الصدمة: «معرض القاهرة للكتاب يمنع الكثير من العناوين كل عام. فلماذا نلوم الآخرين؟». بالنسبة إلى الناشرين المصريين، سوق الكويت «كبير»... لذا، لا ينبغي أن نتوقّع من هؤلاء أدنى «هجوم» على المعرض الكويتي، أو حتى مجرّد «اعتراض» على قراره هذا الذي يتكرّر في السرّ منذ سنوات عدّة. قائمة الكتب المصادرة تشمل كل كتّاب «مصر»: من مقالاتمحمد حسنين هيكل إلى روايات جمال الغيطاني، وخيري شلبي، وعبد الحكيم قاسم، وإبراهيم أصلان، وأهداف سويف، وكل أعمال علاء الأسواني، والسيرة الذاتية لجلال أمين، ومحمد المنسي قنديل، وفهمي هويدي، ومحمد عمارة، وإبراهيم عبد المجيد، ويوسف القعيد. وجميعها من إصدارات «دار الشروق». فادي عوض، مدير الدار، يعترف بأنّ رفض هذه العناوين «مثير للدهشة والأسى». يقول: «كثير من العناوين المرفوضة ليس لها علاقة بموقف سياسي يتعارض مع النظام في الكويت. ولو افترضنا أن ضغوط الإسلاميين وراء الأمر، يمكن تقبّل مصادرة رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، لكن لماذا رُفضت كتابات محمد عمارة؟». هل ستمتنع الدار عن المشاركة بعد هذه المصادرات؟ نسأل. يجيب عوض: «نحن حريصون على وحدة العلاقات الثقافية العربية. لدينا عناوين كثيرة سُمح بها. وفي النهاية، ينبغي أن نشارك في معرض الكويت بالشروط التي يحددها».
فاطمة البودي صاحبة «دار العين» أبدت دهشتها من إثارة الموضوع إعلامياً: «ما حدث ليس جديداً. كل عام ترسل الدور المصرية قائمة بكتبها المشاركة، ويُعلموننا بما لن يسمح بدخوله». ما تؤكده البودي هو غياب أي معيار واضح للمصادرة. مثلاً، سُمح بكتاب «العلمانية هي الحل» لفاروق القاضي، فيما مُنع «شخصيات عرفتها» لحسين أحمد أمين، وأعمال روائية عدّة. وتلفت البودي إلى أن المصادرة تسهم في زيادة الإقبال على الكتب: «هناك تجار داخل الكويت يستطيعون بعلاقاتهم إدخال ما يريدونه من كتب، لذا فإن الكثير من إصداراتنا التي منعت في الماضي، دخلت إلى الكويت، بل نوقش بعضها في ندوات عامة، مثل رواية «أبناء الجبلاوي» لإبراهيم فرغلي. باختصار، الرقابة من الممارسات المنقرضة التي لم تعد قادرة على منع سفر الكتب والأفكار». أما محمد هاشم، صاحب «دار ميريت»، فلن يشارك في المعرض: «المرة الوحيدة التي شاركت فيها صادروا 22 عنواناً من قائمة إصداراتنا. ومن يومها لم ولن أشارك»، فيما يؤكّد محمد رشاد، رئيس «اتحاد الناشرين المصريين»، أن لكل بلد سياسته الخاصة: «الكتاب يواجه أكثر من 20 رقابة مختلفة في العالم العربي».

بعض الناشرين مدهوشون من إثارة القضيّة اليوم، بعد سنوات من المنع والرقابة الصامتة...

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الناشرون بدبلوماسية، يتخلى الكتّاب عن أي «حساسيات» في المناقشة. يرى جلال أمين أن مصادرة سيرته الذاتية لها ما يبررها. «تحدثت في مذكراتي عمّا علمتني إياه الحياة خلال السنوات التي قضيتها في الكويت، ربما لديهم حساسية تجاه هذا الأمر». الروائي خيري شلبي مستفز أكثر «ماذا في روايتي يمكن أن يثير الرقيب؟ بل ماذا في كتاب إبراهيم أصلان «شيء من هذا القبيل» حتى يصادَر؟ كتابه يتناول علاقة بين زوجين عجوزين». أما إبراهيم عبد المجيد فلا يبدو مدهوشاً: «قرار المنع طال كل رواياتي سابقاً، في عدد من الدول العربية، لذا لم تعد الرقابة تثير دهشتي». لكن هل سيكون للمؤسسة الثقافية دور في منع المصادرات التي توسّعت، عدا قيام «اتحاد كتّاب مصر» بإصدار بيان عدّ هذا الإجراء «منافياً لأدبيات حقوق الانسان ومواثيقها»؟ يجيب رئيس الاتحاد محمد سلماوي «الاتحاد يدرس حالياً أفضل السبل للتعامل مع الموضوع، لإتاحة الحرية أمام الكتاب للوصول إلى جميع الأقطار العربية».
السؤال الأخير الذي يتبادر إلى الذهن هو سبب ازدياد الحواجز أمام الكتاب المصري. بالأمس معرض الجزائر واليوم معرض الكويت؟ ترفض فاطمة البودي مقارنة موقف الجزائر بما جرى في الكويت: «أسباب سياسية وراء منع عرض الكتب المصرية في معرض الجزائر». ترى هل تكون الدوافع الكويتيّة «ميتافيزيقيّة» إذاً؟ ««أزمة الجزائر» كان يسهل حلها»، يقول المستشار الإعلامي لمكتبة الإسكندرية خالد عزب: «تلقينا دعوة للمشاركة في معرض الجزائر، لتكون مكتبة الإسكندرية الجهة الوحيدة المشاركة من مصر. وكان بإمكان الجهات الثقافية المصرية الاتصال بوزيرة الثقافة الجزائرية لحل الأزمة بسهولة».