لم يجد مسلسل المخرج باسل الخطيب طريقه إلى الجمهور بسهولة. رغم نجومية أبطاله، فضّلت معظم الفضائيات العربية الامتناع عن عرضه تفادياً لأيّ مطبات سياسية!
وسام كنعان
لا شكّ في أن المخرج باسل الخطيب أراد من خلال مسلسله «أنا القدس» أن يوصل رسالة واضحة إلى العرب، يذكِّرهم فيها بزهرة المدائن. يبدو ذلك واضحاً من خلال شارة المسلسل التي كتب كلماتها يوسف الخطيب، وغنّتها أصالة نصري. وكان المسلسل، الذي عُرض في رمضان، قد طرح نظرة بانورامية عن حال القدس منذ نهاية عام 1917 عند هزيمة السلطنة العثمانية، فامتداد زحف الجيش البريطاني، ليواجه الفلسطينيون عدواً جديداً ظن بعضهم حينها أنه جاء ليخلّصهم، ليصل إلى سنة النكبة عام 1948 وينتهي بالهزيمة التاريخية سنة 1967وإعلان سقوط القدس كاملةً في أيدي الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم أهمية الموضوع المطروح، أخذ بعضهم على العمل مبالغته الشديدة في تجسيد الحزن والإيحاء بحجم المصائب من خلال زوابع الدخان الكثيفة والسماء الملبّدة بالغيوم السوداء دائماً. إلى جانب رغبة المخرج في إيصال أفكار مهمّة وتوثيقها ولو على حساب متعة المشاهد في بعض الأحيان. كذلك بدا أداء الممثّلين متبايناً، بين متقَن للبعض، وتمثيل تغلب عليه الانفعالية واللكنة الأصلية للممثل.
ومع ذلك، استطاع المخرج الفلسطيني ـــــ السوري أن يبني مشاهد أخّاذة بلغة بصرية عالية رافقتها موسيقى تصويرية مميزة لرضوان نصري، ابتعدت عن السائد والمألوف في مثل هذه الأعمال. ولا شكّ في أن مخرج المسلسل ومنتجه باسل الخطيب كان أبرز المغامرين هذا العام، عندما قرّر الاعتذار عن عدم إخراج مسلسل «سقوط الخلافة»، وأصرّ على إنجاز «أنا القدس». وبما أن الخطيب أدرك مسبقاً آلية عمل المحطات الفضائية العربية، فقد صرّح سلفاً قبل فترة طويلة من رمضان بأنّ مسلسله «يشرِّف أية محطة فضائية». لكنّ هذا التصريح لم يشجّع القنوات العربية على شراء العمل. هكذا عُرض على بعض القنوات التي تهتمّ عادةً بالقضية الفلسطينية، مثل التلفزيون السوري، وقناة «المنار» اللبنانية.
لكن المحطة الأخيرة ارتأت حذف قسم من المشاهد نزولاً عند رغبة الرقيب الديني، فاختفت بعض مشاهد العناق، على اعتبار أنها جريئة. أما الأسوأ، فهو أن المحطة لجأت إلى حذف صوت أصالة نصري عن الشارة، ما أدى إلى تشويه المسلسل عموماً. وهو ما دفع بعضهم إلى القول إنّه كان الأفضل لو امتنعت «المنار» عن شراء العمل بدل عرضه بطريقة مشوّهة.

تجاهلت القنوات المصرية أيّ مسلسل يتناول قضية فلسطين
من جهة أخرى، قبل أيام من رمضان، كانت شاشة التلفزيون المصري قد عرضت إعلاناً ترويجياً للمسلسل، قبل أن تتراجع عن قرار بثه. وتردّد وقتها أن صحفاً إسرائيلية عدّة طالبت بطريقة غير مباشرة بعدم عرض أعمال تتناول الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي على الشاشات المصرية. هكذا. كان لافتاً تجاهل التلفزيونات المصرية لعرض هذا العمل أو أي مسلسل آخر يتناول قضية احتلال فلسطين وتهويد القدس المحتلة، رغم أن عدد الفضائيات المصرية يتجاوز 25 محطة. حتى إنّ نجومية أبطال المسلسل ومنهم عابد فهد، وكاريس بشار، وفاروق الفيشاوي، وسعيد صالح، وأحمد ماهر ونضال نجم لم تنجح في تسويق العمل في أرض الكنانة.
باختصار، كان حريّاً بالمحطات الفضائية المهمّة أن تجاهر بعرضها للمسلسل العربي الوحيد الذي أخذ على عاتقه إبراز قضية الشعب الفلسطيني، إلى جانب عرضها برامج الفوازير والمسلسلات التي تحقق صفقات إعلانية رابحة.