مطبوعات جديدة تنضم إلى المشهد الإعلامي في القاهرة، باحثةً عن نصيبها من كعكة السوق. مع ذلك، لن تخرج هذه الجرائد من عنق الزجاجة ما لم تمتلك مطبعتها وشركة توزيعها الخاصة
محمد خير
هل تعني زيادة الصحف زيادة مماثلة في عدد القراء؟ وهل يمكن أن تتوسع صحيفة من دون امتلاك مطبعتها وشركة توزيعها الخاصة؟ سؤالان قد يكونان أهم ما يحرك التغيرات الكبيرة التي تشهدها الصحافة المصرية اليوم، وهي تستعد لاستقبال مطبوعات جديدة تبحث عن نصيبها من كعكة السوق. وهي سوق تعاني ندرة القارئ وكثرة الإعلانات، وتلك مفارقة غريبة أفرزتها أوضاع سياسية أغرب.
إذا كانت مهنة الناشر الصحافي جديدة نسبياً على السوق المصرية، فمن المعروف أن هشام قاسم هو أبرز من حمل تلك الصفة. حتى يقال إنّه «الناشر» الصحافي وليس ناشراً صحافياً، تستند سمعته المهنية إلى تجربته في تأسيس صحيفة «المصري اليوم». وقد حققت هذه الجريدة نجاحاً نافست به للمرة الأولى ـــ كصحيفة مستقلة ـــ الإصدارات القومية الكبرى كـ«الأهرام» و«الأخبار». بعد ذلك، أعلن قاسم تفرغه لتحقيق حلمه الكبير: إصدار جريدة «الكرنك». الصحيفة التي ينتظر أن تصدر في آذار (مارس) المقبل يفترض أن تعمل وفق أحدث قواعد الأداء المؤسسي والمهني، مستعينة بخبرات مصرية وأجنبية، فضلاً عن خبراء من الاتحاد الدولي للصحف. والرجل الذي طالما تحدث عن سوء توزيع سوق الإعلانات الصحافية في مصر التي يبلغ حجمها مليار جنيه مصري سنوياً (200 مليون دولار)، وعن قدرة الصحافة المستقلة على جذب قسم أكبر من الإعلانات التي تستحوذ الصحافة الحكومية على معظمها، ها هو يدير بنفسه تجربة يقول إنّها ستكون نموذجاً يحتذى.
لا يمكن الحديث عن سوء توزيع السوق الإعلانية بمعزل عن السياسة. الصحافة القومية لا تحصد الإعلانات لأسباب التوزيع فقط، بل لأسباب تاريخية وسياسية أولاً. بل إن صحيفة قومية هي «روز اليوسف» اليومية تستمر في الصدور رغم أنّ توزيعها لم يتخطّ ألفي نسخة. كان ينبغي ـــ بهذا المعدل ـــ أن تتوقف عن الصدور منذ سنوات، لكنّ ذلك لم يحدث ليس فقط لأنها تعدّ غالباً لسان حال أمانة السياسات في الحزب الحاكم، بل لأن أعضاء «الأمانة» ومعظمهم من رجال الأعمال لا يبخلون على الجريدة بإعلاناتهم. من ناحية أخرى، فإن المؤسسة الأضخم وهي «الأهرام» العريقة التي تجتذب النسبة الأكبر من الإعلانات، وتحقق التوزيع الأعلى في السوق المصرية، تخسر بسبب زيادة كلفة العمالة الهائلة في إصدارتها المتعددة. هكذا تنتزع «الأهرام» النسبة الأعلى من الإعلانات لكن من دون أرباح، بينما تعجز صحف أخرى خاصة ومستقلة عن جذب إعلانات تساوي حصتها من السوق، ليس للأسباب السياسية فقط بل لأسباب لوجستية أيضاً. إذ لا تمتلك الصحف الخاصة شركات توزيعها الخاصة. ويندر أن تمتلك صحيفة خاصة مطبعتها الخاصة، فتطبع تلك الصحف نسخها وتوزعها عبر شركات الصحافة الحكومية. وهو ما لا يضع الصحافة الخاصة تحت رحمة الدولة فحسب، بل يقلّل من قدرتها على زيادة التوزيع.
نتيجة لما سبق، فإن حجم السوق الصحافية من حيث عدد القراء، لن يزداد بزيادة الإصدارات بل بزيادة عدد وكفاءة شركات

يراهن كثيرون على جريدة «الكرنك» التي تصدر في آذار (مارس) المقبل

ووكالات توزيع الصحف، وأن تؤسس الصحف الخاصة وكالات توزيعها الخاصة ومطابعها. فقد لاحظت الإحصاءات أن الزيادة الكبيرة في عدد الصحف في السنوات الأخيرة لم تنعكس في زيادة عدد القراء. ورغم الضجيج الكبير في السوق الصحافية، فإن الطحن لم يتجاوز مليون ونصف مليون قارئ يومياً، وهو رقم هزيل بين 80 مليون مصري حتى بعد استبعاد ثلثهم من الأميين.
تتنافس إذاً الصحف الجديدة المرتقبة على السوق القائمة، وتأمل زيادة حصتها من الإعلانات بسحبها من الصحف الحكومية، وسحب قراء الصحف المنافسة لا خلق قراء جدد. وهنا، لا يمكن إغفال حالة شديدة الخصوصية هي شراء جريدة «الدستور» من جانب رئيس حزب معارض، تعبر عنه جريدة حزبية معروفة هي «الوفد». ما أثار تساؤلات وتكهنات حول مستقبل الخط التحريري للجريدة التي عرفت أنّها صاحبة السقف الأعلى في النقد السياسي. وكان رد ملاكها الجدد أن «الصفقة» مالية بحت وليست سياسية، فالجريدة بلا أي ديون رغم ندرة إعلاناتها، ما وجد فيه المساهمون الجدد فرصة مربحة. بينما رأى آخرون أن المالك الجديد السيد البدوي مهتم باستكمال كيانه الإعلامي الذي يضم تلفزيون «الحياة» بمحطاته الأربع. المؤكد أن الطاقم التحريري لـ«الدستور» استمر هو نفسه لكن بإمكانات مالية أفضل للمؤسسة ولصحافييها بطبيعة الحال. ما يفتح الباب نحو منافسة صحافية أكثر سخونة ضد منافسها الأساسي «المصري اليوم»، انتظاراً لإصدار «الكرنك».


من «الفجر» حتى «اليوم السابع»

تنتظر السوق المصرية خلال أشهر تحول صحيفتي «اليوم السابع» و«الفجر» الأسبوعيتين إلى يوميتين. وعلى رغم التأخر الذي شاب إصدار النسختين اليوميتين، فإن الصدور مؤكد. وعلى رغم أن «اليوم السابع» تمتلك موقعاً شهيراً على الإنترنت يشهد نسبة مستخدمين مليونية، وإصداراً يومياً «ديجيتال» ومحطة «راديو أونلاين»، فإن تعاقد المؤسسة السخي مع وكيل إعلامي شهير اشترط أن تصدر صحيفة يومية. أما «الفجر»، فقد حصلت قبل أربعة أشهر على الترخيص اليومي من المجلس الأعلى للصحافة، ويأمل أصحابها أن تصدر في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.