strong>بيار أبي صعب«لماذا تحدّثتم إلى «الأخبار» قبل سواها؟... هذا يسيء إلى صدقيّة قضيّتكم»! فوجئت ديما الجندي بالسؤال الغريب الذي طرحته عليها الإعلاميّة الشهيرة قبل الدخول إلى الاستديو لتسجيل الجزء الثاني من حلقة «استديو بيروت» التي بثّت ليلة أول من أمس على «العربيّة». السينمائيّة والمنتجة اللبنانيّة التي جاءت تعطي رأيها في فيلم أوليفييه أساياس «كارلوس» ـــــ وقد أساء مباشرة إلى والدها الكاتب الراحل عاصم الجندي، من جملة من أساء إليهم ـــــ كانت تتوقّع كل شيء إلا هذا السؤال من جيزيل خوري. ذلك أن الأخيرة، كما هو معروف، نبراس من نباريس الديموقراطيّة في لبنان ما بعد «ثورة الأرز» (أو ثورة إيلي خوري، مخترعها الحقيقي)، فكيف لها أن تحاسب مواطناً (ليس معها في «الخليّة») على اختياره الإدلاء بتصريح لهذا المنبر الإعلامي بدلاً من ذاك؟
لعلّ الأمر التبس على الصحافيّة المقتدرة. أم أنها لا تعرف تماماً كيف يصنع الإعلام؟ لم يصرّح أحد بشيء إلى «الأخبار» يا مدام، بل إنّ «الأخبار» هي التي انتبهت إلى أهميّة فتح نقاش حول فيلم «كارلوس» عشيّة عرضه في ختام «أيّام بيروت السينمائيّة»، فاستبقت الحدث بتخصيص ملفّ للقضيّة. فيه كتبنا نشرّح العمل، وحاورنا كارلوس محور الفيلم (من سجنه)، ونشرنا نصاً للثائر الفنزويلي يسلّط الضوء على مغالطات السيناريو وتجنّياته، وأعطينا الكلمة إلى أخت ديما، الممثّلة دارينا الجندي التي كانت قد أطلقت حملة ضدّ الفيلم بعد «مهرجان كان» دفاعاً عن اسم أبيها وتاريخه... نفهم أن الإعلاميّة البارزة ـــــ كما يبدو من عتابها الأخوي لضيفتها ـــــ قلبها على «القضيّة» التي قد تفقد الكثير من صدقيّتها» ما إن تتناولها صحيفة مثل «الأخبار». لكن «الأم كوراج» تنسى هنا تفصيلاً بسيطاً: لو لم تطلق «الأخبار» القضيّة، لما وجدَتْ هي ما تبني عليه الفقرة الأخيرة من برنامجها أوّل من أمس.
في الجزء الأول من الحلقة، فاجأنا الرئيس ميقاتي بإعلان «نعرته السنيّة»! وكان بإمكانه ـــــ في معرض دفاعه عن الرئيس الحريري بوجه الهجوم الشعبوي الذي شنّه عليه اللواء السيّد ـــــ أن يكتفي بالحديث عن «مقام رئيس الحكومة». ثم جاء تناول فيلم «كارلوس» متلعثماً، ينمّ عن جهل بالفيلم، وبالخلفيّات الفكريّة والسياسيّة للنقاش الدائر حوله. ورصّعت جيزيل الشاشة بابتسامتها المضيئة، وهي تتحدّث عن تظاهرات الاحتجاج «الصغيرة» التي تحضّر لها «جماعات يساريّة متطرّفة» غداً أمام صالة العرض... ثم جاءت جملتها الحاسمة لتكون مسك الختام: «حتّى كارلوس مع عرض الفيلم في بيروت»، قالت. نحار هنا في تفسير الـ«حتّى»، ونفهم الآن فعليّاً كيف أن أبا بشر عمرو بن عثمان بن قنبر البصري، المعروف بسيبويه، قد مات في حرقتها اواخر القرن الهجري الثاني. لكن ما يحيّرنا أكثر، هو من أين حصلت الإعلاميّة الخطيرة على معلوماتها؟ لم يدل الرفيق إيليتش راميريز سانشيز إلا بتصريح واحد للإعلام حول القضيّة، مطالباً فيه بعرض الفيلم في بيروت. هذا التصريح كان في... «الأخبار». لكن باسيوناريا «الحريات الثقافيّة والإعلاميّة»، فاتها أن تذكر مصدرها، كما تقتضي أصول المهنة.
يا للهول! جيزيل خوري تقرأ «الأخبار»؟ لم يعد ينقص هذه الإعلاميّة العروبيّة والديموقراطيّة والعلمانيّة والمقاومة وعاشقة فلسطين... إلا أن تعلن التحاقها بتلك «المجموعات اليساريّة المتطرّفة».