حسين بن حمزة في ديوانها الجديد «رسائل لا تصل» (فضاءات للنشر والتوزيع ـــــ عمّان)، وهو الخامس في تجربتها الموزعة بين الشعر والنص السردي المفتوح، تُبدي منال الشيخ اكتراثاً أكبر للتجربة الحقيقية لكائنات قصائدها على حساب التقنيات والحِيَل الأسلوبية التي (قد) تجعل الشعر حصيلةً باردة لقدرات حِرفية ومهاراتٍ باهرة. لا تتخلى الشاعرة العراقية المقيمة في النروج عن التقنيات والمهارات كلياً، لكنها غير قادرة على إدارة ظهرها لأهوال التراجيديا العراقية التي عاشتها، والمستمرة حتى اليوم في اقتحام حياتها المستجدة والقلقة في المنفى. في حالاتٍ كهذه، يدفع الشعر، مرغماً أو طواعيةً، ثمناً ما في ممارسة شعرية تُضحّي ببعض الجودة لمصلحة استحقاقات الواقع وآلامه النبيلة. ليس القصد هنا تبرير التفاوت الموجود في الديوان، بل البحث عن طريقة صائبة لقراءة هذا التفاوت. هناك قسوة ما في المعجم المستخدم، إضافةً إلى إسراع أغلب الكلمات إلى معانيها المباشرة والحارة. في قصيدة «بغداد»، نقرأ شيئاً من هذه المناخات: «هناك/ حيث يحظون بالكثير/ لهم مناشف بيضاء تمتص رغبات الحنين كلها/ لهم عربات تجرها خيباتنا/ مذهَّبة بأنفاس غلمان المملكة/ يصبّ في كؤوسهم الفضية/ شيئاً من شفقنا/ ويأمرون مسروراً آخر/ بقطع رغبة التاريخ/ والعدول عن تصريحه الأخير/ لا جدوى من حكايات شهرزاد/ أمام نهودهنّ السليكونية/ المعلقة بأفواه سلاطيننا الجدد».

قسوة في المعجم المستخدم ومعانٍ مباشرة وحارة
في المقابل، هناك قصائد يُلطِّف البطء والتأمل بعضاً من قسوتها، كما هي الحال في «رسائل لا تصل» المتعددة المقاطع: «أمي/ لملمي صلواتك/ واحزمي أدعيتك/ واعتذري لليل/ لن تسكنيه بعد الآن/ ستهب رياح/ وتدق نواقيس/ إيذاناً بالرحيل/ لا بأس بالصحراء/ فلنا فيها من التيمّم/ نصيبٌ كبير». سينتظر القارئ المتطلّب قليلاً قبل أن يجد ضالته في تلك المقاطع القصيرة المكتوبة بضربة أسلوبية واحدة. هكذا، نقرأ قصائد مضاءة باستعارة واحدة: «بغزارة كان يبكي النهر/ بغزارة/ حتى خُيّل إلينا أنه/ نهر»، أو: «مجرد دبوس/ دبوس صغير لا غير/ كفيلٌ بهتك الأكمام»، أو: «ربما أدركتُ الآن/ أين تذهب الأمطار/ عندما لا أصل». هنا يتفاقم السؤال: هل الشعر محكوم بالانكماش والتضاؤل كلما تُركت المكونات الواقعية والموضوعات المباشرة فيه من دون عناية تخييلية وتقنية كافية؟
حسين...