دخلت الصحافيّة الهولنديّة يوديت نيورينك عقر دار المنظمة المعروفة بعدائها الدموي مع النظام الإيراني. كتابها «الشهداء الضالّون» (دار الجمل)، تحقيق موثّق يرصد مسار حزب شارك في الثورة الإسلاميّة، قبل أن يتحوّل طائفة منغلقة وذراعاً أميركيّة
علي السقّا
تعرض الصحافيّة الهولندية يوديت نيورينك في كتابها «الشهداء الضالّون ـــــ كيف تحوّل الإرهابيون الإيرانيون إلى أفضل أصدقاء أميركا» (الجمل ـــــ ترجمة عوف عبد الرحمن عبد الله) حيوات مجموعة من المحاربين القدامى في «منظمة مجاهدي خلق» الإيرانية. تفرق هؤلاء بين منشقّ وهارب، وعائد إلى وطنه معلناً التوبة للنظام الإيراني. علاقة الطرفين بدأت تتسم بالدموية والعداء، بعد سنتين على الثورة الإسلامية (1979) التي شاركت فيها «خلق»، إلى جانب فصائل ماركسية وليبرالية وإسلامية ليبرالية وخمينية معتدلة. المنظمة التي تأسست عام 1965 على أيدي مثقفين وأكاديميين إيرانيين وأعدم الشاه مؤسسها والعديد من قادتها، وجدت نفسها بعد الثورة في عداد منظمات اعتبرها الخميني «متغرِّبة» أكثر من اللازم.
علاقة ملتبسة ومعقدة بين رفاق الثورة لازمت عملية ترتيب البيت الداخلي، كانت حصيلتها حملات قتل وقمع واعتقالات بالجملة طالت رموزاً دينية معتدلة (حسين شريعتمداري نموذجاً). لكنّ منظمة مجاهدي خلق اختارت الكفاح المسلّح طريقاً لمواجهة النظام. بلغت المواجهة مداها بعد إعدام المئات من أفراد المنظمة، وترحيلهم خارج البلاد إثر قيامهم بأعمال تفجيرية أودت بحياة سبعين شخصاً، من بينهم رئيس الوزراء ورئيس المحكمة.
تتقصى نيورينك الأيديولوجيا التي حكمت عمل «خلق»، وهرمية السلطة فيها، وعملها العسكري والسياسي. كانت محاولة التوليف بين الماركسية ـــــ بمعزل عن «المكون الفلسفي» ـــــ والموروث الثقافي الشيعي واضحةً في بنيتها الفكريّة. وكان انتقال مجاهدي «خلق» إلى العراق والإقامة في معسكر أشرف، كانتقالهم إلى سجن كبير. لقاء الأزواج كان يتمّ في مواعيد محددة، ووضع الأطفال في مدرسة مقفلة، ومنعوا غالباً من لقاء ذويهم... وكان أعضاء المنظمة مجبرين على قضاء ساعات طويلة يومياً للاستماع إلى محاضرات قائدهم مسعود رجوي عن الثورة والعودة القريبة إلى الوطن منتصرين على نظام الملالي، أو التسمر أمام التلفاز لمشاهدة أشرطة فيديو عن حياة رجوي وزوجته مريم حصراً. لا مكان للمعارضة هنا، وذلك تحت طائلة السجن والذم من الرفاق وحتّى التطليق من الزوجة، أو إخضاع المعارض لـ«حوار مفتوح» يقرّ بعده مكرهاً «بخطئه».
«خليط الماركسية والإسلام اضمحلّ ليبدّل بعقيدة يكون فيها رجوي الزعيم الروحي. فقد أراد أن يوازي الخميني مقاماً. تحولت «مجاهدي خلق» من حركة مقاومة سياسية إلى طائفة. (...) حياتهم تدور فقط حول رفاهية الزعيم». فقد استغل رجوي أولاد المجاهدين للتسول في البلدان الأوروبية، ووصل الأمر إلى حد بيع الأطفال بذريعة جمع التبرعات للمنظمة! أما الهاربون منهم إلى أوروبا فكانوا يعيشون في خوف دائم من تعرضهم للقتل على أيدي

مسعود رجوي أقحم المنظّمة في حرب الخليج الأولى
رفاقهم. الطاعة العمياء لمسعود رجوي زجّت بأعضاء المنظمة في حرب صدام حسين ضدّ إيران. فقدموا خدمات عسكرية أساسية لصدام بعدما سلحهم وأغدق على زعيمهم شنطاً سوداء ملأى بدولارات النفط مقابل الغذاء. كانت مهمتهم أن يقمعوا الانتفاضة الشيعية ثم أن يمعنوا قتلاً في المدنيين الأكراد المنتفضين. كان رجوي قد أقنع أتباعه بأنّ هؤلاء الأكراد متسلّلون من الحرس الثوري الإيراني!
أسوأ الأدوار التي قامت بها المنظمة كان دور ساعي البريد للأميركيين والإسرائيليين. فقد «زوّد الإسرائيليون عن طريق الأميركيين «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» (الجناح السياسي لـ«خلق»)، بصور أقمار صناعية لمواقع تخصيب اليورانيوم في إيران، ما أدّى إلى ارتباك كبير في إيران أثناء عرض المجلس الوطني للصور متباهياً». تشير نيورينك إلى التناقضات في العلاقة بين المنظمة والأميركيين. كانت فرحة المجاهدين عارمة في معسكر أشرف يوم 11 أيلول (سبتمبر) حيث كان «الشيطان الأكبر» يلدغ في وكره.
في المقابل، كان سياسيون جمهوريون أميركيون يدافعون عن أعضاء المنظمة الذين يضبطون أثناء تنفيذهم نشاطات غير شرعية في الولايات المتحدة. جاء هذا بحسب نيورينك بعدما «عرض رجوي تعاونه مع الأميركيين قبل سقوط صدام لكسب شريك قوي في معركته ضد طهران». وتلفت الصحافية الهولندية في ختام «الشهداء الضالون» إلى أنّ «الأميركيين لا يتوانون عن ارتكاب الأخطاء نفسها. إذ إن «قوات زعيم طائفة من الرجال المغسولي الدماغ قد يتصرفون لاحقاً، وبالضبط كما فعل «جهاديّونا» في أفغانستان بعد سقوط السوفيات».