الجزائر ــ سعيد خطيبيكثيرة هي الصحف اليومية في الجزائر التي تُقرأ من الصفحة الأخيرة. إذ تتفق مختلف الجرائد على إدراج الرسم الكاريكاتوري الذي يشدّ القارئ ويمنحه فرصة للتخلص، ولو قليلاً، من فوضى الراهن وعبثيته أكثر من عناوين الصفحات الأولى وصور السّاسة وتصريحات الوزراء.
ما زالت قضايا عديدة تمثل مادّة دسمة للصحف الجزائرية: قضية «الحرّاقة» (أو الهجرة غير الشرعيّة)، وفساد الأجهزة الإدارية، وانغلاق الدّوائر السياسية على نفسها، وإجهاض المخططات الاقتصادية، وتدني مستوى المعيشة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأوليّة. كل هذه المسائل تمثّل قلقاً لبعضهم، وسخرية لآخرين على رأسهم «هيك» (هشام بابا أحمد).عبر ألبوم رسومات جديد بعنوان «الجزائر» (منشورات داليمان)، حاول رسّام الكاريكاتور نقل صورة مختلفة عن هموم المواطنين وتفاعلهم مع تحوّلات الواقع ومخاوفهم أمام انسداد الأفق. يجد Hic في الكاريكاتور مساحةً للكشف عن الوجه الآخر من البؤس، فيحوّله مادةً للضحك. ينزل إلى الشوارع، ويجلس في المقاهي الشعبية، ثم يقترب من قبة البرلمان ويتسكع في ضواحي «شارع الدكتور سعدان» في أسفل قصر الحكومة، ليفتح الجرح ويشير إلى اتساع الهوة بين الساسة والمواطنين، وعدائية كل طرف تجاه الآخر.
يرسم «الحرّاقة»... ويسخر من عبد العزيز بوتفليقة
يحاول الرّسام ملامسة قضايا وأسئلة حرّكت الرأي العام خلال السّنتين الماضيتين. هكذا، ينطلق من العدوان الإسرائيلي على غزة (2009)، وخيبة الجماهير من المواقف الرسمية العربية، وتعاطف المجتمع المدني الدولي مع مأساة القطاع. ويقدم تحية لصاحب الحذاء الشهير الصحافي العراقي منتظر الزيدي. ويجد في انتخاب باراك أوباما على رأس البيت الأبيض مادةً خصبةً لرسم تطلعات المجتمعات العربية. ويتساءل في أحد الرسومات عن العلاقة التي تجمع بين أوباما وأبطال السينما الأميركية، مثل باتمان وسوبرمان. ثم يعرّج على واقع الأنظمة السياسية البائدة في القارة السمراء ويتعاطف مع الصحافية السودانيّة لبنى الحسين.
وبالعودة إلى الشأن الجزائري الداخلي، يكشف «هيك» عن نظرة متشائمة على مختلف الأصعدة: سياسياً واقتصادياً وثقافياً. يرفض قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القاضي بتعديل الدستور (نوفمبر 2008) بغية السّماح لنفسه بالترشح لولاية ثالثة! ويكتب في رسم مؤثر على لسان طفل يتساءل «أبي! هل لا تزال السعادة بعيدة؟» فيجيب الأب الذي ينظر إلى الظّلام الممتد: «ما زالت أمامنا مسيرة خمس سنوات»، في إشارة إلى أنّ الحلم المرجو لن يتحقّق سوى مع نهاية ولاية الرئيس الحالي. ويواصل التحليق حول ظاهرة تزايد «الحراقة»، وخصوصاً أمام فشل السياسة الرسمية في الخروج من نفق الأزمات المتتالية، وتفشي ظاهرتي الرشوة والمحسوبية.
يعتقد «هيك» أن الكاريكاتور مرآة. وبقدر ما تحمل الرسومات نبرة ساخرة، بقدر ما تهدف إلى البوح بسوداوية العيش ومرارة الحاضر الجزائري. يحمل «هيك» في رسوماته بذور قلق. جرأة يتمسك بها منذ أكثر من عشر سنوات. يشعر بالتورط ويُحمِّل نفسه جزءاً من مسؤولية تفاقم الوضع ولا يرى حرجاً في مواصلة السير على النهج نفسه... وهو نهج كلّف رسّامي كاريكاتور قبله ملاحقات قضائية تماماً كما حصل مع «أيوب» أو «ديلام».