كريستين حبيب
على جدران مجمع «بيال» (وسط بيروت)، عُلّقت صور ضخمة لفيروز تُعلن موعد حفلتها. وعلى بعد أمتار من المجمع، كادت جدران «فيرجين ميغاستور» تهبط على وقع أقدام من استفاقوا باكراً ليقطفوا نجمتهم! تعلم مَيْ أنّ أبواب «الفيرجين» لا تفتح قبل العاشرة صباحاً، لكنّها حطّت الرحال أمامه منذ السابعة والنصف صباحاً. وما هي إلا دقائق حتّى بدأ الناس بالتوافد. بعضهم افترش الأرض وشرب قهوته الصباحيّة. آخرون جاؤوا من بعيد (كثيرون بينهم أوروبيّون) فاقتنصوا فرصة وجودهم في وسط بيروت ليؤدّوا واجباً سياحياً. ومع مرور الساعات الثلاث، صار مدخل المتجر الموسيقيّ أشبه بمدخل أحد الأفران أيّام الحرب الأهليّة.
يوم السبت الماضي، أُفرج عن بطاقات حفلتي فيروز اللتين ستقامان في «بيال» في السابع والثامن من الشهر المقبل. من البديهيّ أن تمثّل الحفلتان حدثاً ضخماً، لكنّ ذلك الحدث سبقه آخر، وهو التظاهرة التي رافقت شراء البطاقات.
عند العاشرة، فُتحت أبواب «فيرجين» الموكلة ببيع تذاكر الحفلتين، فتهافت عشّاق فيروز إلى داخل المتجر، لم يأبهوا لنداء رجل الأمن الّذي كان يريد تفتيش الحقائب. على الدرج، المشهد أشبه بماراتون، تعثّرت فيه إحدى النساء فسقطت وأغمي عليها. وهذه ليست سوى البداية! المغامرة تبدأ أمام صناديق الحجوزات حيث التدافع في ذروته، وحيث تنشأ صداقات «موقّتة» على شرف السيّدة. الانتظار يطول، ومن وصل إلى الصندوق عند العاشرة لم يحصل على بطاقته قبل الحادية عشرة والنصف. والذنب طبعاً ليس ذنب الزحمة ولا الموظّفين، بل سوء تنظيم اعترى عمليّة الشراء واشتكت منه غالبيّة الحاضرين. إذ اقتصر عدد المسؤولين عن البيع على ثلاثة، فيما فاق عدد طالبي البطاقات حتّى الثانية عشرة ظهراً الألف شخص. أمّا النظام الآليّ فاتّسم ببطء شديد. كلّ ذلك، وسط أوامر رجال الأمن ونبرتهم الحازمة الّتي انزلقت أحياناً إلى قلّة تهذيب لم تنجح في تلطيفها أنغام أغنيات فيروز المتصاعدة من مكبّرات الصوت: «نسّم علينا الهوا»، و«بكرم اللولو»، و»سألوني الناس»...
خلال الانتظار، كان الناس يسألون: «هل ستغنّي الأخوين أم الابن؟»، «هل يتحقّق الحلم أم تلغى الحفلتان؟». ومن بين علامات الاستفهام الكثيرة، يعلو التصفيق! هذا الشابّ حصل على أوّل بطاقتين للحفلة، الكلّ يبارك له علناً ويحسده سراً. فالكلّ يريد بطاقة! حتّى سامر لا يتذمّر، الشاب الّذي يعاني مشكلةً في النظر كان يعصر ورقة المئة ألف ليرة بين أصابع يده اليسرى، وباليمنى يشدّ على عصاه الإلكترونيّة... كان يريد فقط بطاقتين. أمّا هي... فبدت كأنّها تنظر إليه من صورتها المعلّقة على الحائط خلف البائع، وتدندن في أذنه: «إيه في أمل»!