بيار أبي صعب«في انتظار أبو زيد» الذي يعرض مساء اليوم ضمن «أيام بيروت السينمائيّة»، ليس التجربة الفيلميّة الأولى للكاتب والباحث السوري الذي أتى السينما من باب موارب. ما زلنا نذكر «ابن العم» الذي صوّره مع المعارض السوري رياض الترك، بين إقامتين في السجن. لكنّ محاولته الجديدة تبدو أكثر طموحاً لجهة المادة المصوّرة، وزاوية المعالجة.
الفيلم عن المفكّر المصري نصر حامد أبو زيد ومعه، يتوقّف قبيل رحيله، عند طور «الانتظار». انتظار أبو زيد في زمن التكفير. محاولة تسليط الضوء على محطات من حياته مع رفيقة دربه ابتهال يونس (بدءاً بالتكفير والتطليق)، ومحمد حاكم تلميذه الراحل (2007) النقدي مع معلّمه. مرافقته في جولاته الميدانيّة للقاء الجمهور في الجامعة والمسرح واستوديو التلفزيون. ومحاولة رسم معالم أساسيّة في مشروعه التنويري، وتقنيات «القتال» التي اعتمدها في زمن الردات. الأتاسي ليس صحافيّاً عاديّاً، ولا سينمائيّاً بالمعنى السائد، بل صاحب أسئلة يواكب بها المفكّر العقلاني. نتذكّر هنا فيلماً أساسياً عن عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيار بورديو الذي ليس غريباً عن محمد علي الأتاسي («السوسيولوجيا رياضة قتاليّة» لبيار كارل). ويسلّط الأتاسي النظرة النقدية نفسها إلى الإعلام وفخّ التلفزيون (و«الوهابيّة»)، مشككاً فيه، بصفته فخاً للفكر، فيما أبو زيد يتعامل معه كوسيلة تواصل لا بد منها.
يزدحم الشريط باللحظات التاريخيّة، ويرزح تحت عبء الأفكار الكثيرة. لكنّ الأتاسي يقدّم لنا العمل لحظة صناعته، ما يجعل ثُغره جزءاً من اللعبة. ويترك لنا أن نستشف حيرته بشأن كيفيّة «إقفال» هذا المشروع بعد سنوات من التصوير. إنها وثيقة نادرة، وتجربة خاصة، وتحيّة جميلة إلى مفكّر بقي يقاتل إلى النهاية.