الجزائر ــ سعيد خطيبيترك محمد أركون خلفه الباب مفتوحاً على تأويلات عديدة. غيابه سيحرمنا صوتاً، طعن على امتداد العقود الثلاثة الماضية في مشروعية أنظمة سياسية عربية تستمد حضورها من اللّعب على وتر الدّين. «الدّول العربيّة التي ظهرت مباشرةً بعد نهاية المرحلة الكولونيالية، تحاول فرض سلطة دينية، وتوجيه حرية المعتقد لخدمة مصالحها، مانعةً الخوض في نقاشات حرّة حول النص القرآني». أمام هذه المواقف الحادّة، قد يُفرح رحيل أركون الكثير من معارضيه في الجزائر.
بين تكفير الجماعات الإسلامية المحافظة، وانتقادات الدوائر السياسية، وخصوصاً في الجزائر، عاش محمد أركون حياة منفى. بقي موطنه الجزائر خالياً من أي تشكيل ديني يتبنّى أطروحاته، في مقابل اتساع حضور الطرق الصوفية التي اتهمها الراحل بالتواطؤ مع القوى الاستعمارية، مطلع القرن التاسع عشر. طرح كلّفه انتقادات واسعة، من مختلف زعماء التوجه الصوفي، في بلد المليون ونصف المليون شهيد، وهم يستحوذون على عدد مهم من المقاعد، في البرلمان، وحقيبة وزارية ثابتة. معطيات أسهمت في منع تداول مؤلفات أركون في الجزائر، وعدم اعتماد نصوصه ضمن الكتب المدرسية.
في عام 1991، عندما تدخّل الجيش الجزائري لمنع «الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ» من تسلّم مقاليد الحكم التي حصلت عليها بعد الانتخابات التشريعيّة، انتصر أركون لمنطق الروح الديموقراطية رغم موقفه النقدي الصريح من الإسلاميين.
عايش أركون مختلف التحوّلات التي عرفها تاريخ الجزائر المعاصر، من الثورة التحريرية، إلى الحرب الأهلية. وأصرّ دوماً على أهميّة إعادة تعريف الهويّة المغاربية إجمالاً، وعدم حصرها في بعديها الإيديولوجي والجغرافي. محمد أركون لم يرمِ شخصيته الأمازيغية الجزائرية، المتمتعة بروح العناد. ولم يرضخ أمام مواقف المنع التي أعلنتها في وجهه الجهات الرسمية في بلاده. بقي مؤمناً بأنّ الاعتراف به سيبلغ يوماً ما أرض الأجداد، بعدما طاف مختلف بقاع العالم، ونال جوائز مهمة منها «جائزة ابن رشد للفكر الحرّ» (2003).