الفنان الظاهرة في بلاد «سوليدير»، يحيي السبت بالصوت والضوء استعراضاً ضخماً تصل بطاقاته إلى مئتي دولار أميركي، احتفاءً بالمدينة التي يتعانق فيها ــ على ما يبدو ــ «التاريخ والمستقبل». قليل من الـ«أوكسيجين» ينعش قلب لبنان!
هالة نهرا
الموسيقي الفرنسي الذي استحال ظاهرة كونيّة، يعود إلى بيروت، حيث كان مقرّراً أن يحيي استعراضه السمعي ـــــ البصري الضخم (كالعادة)، خلال شهر تمّوز (يوليو) الماضي. لكنّ الموعد أُجّل لأسباب تقنية كما قيل لنا. وها هو يعود أخيراً بعد 17 عاماً إلى مدينة «جُرحت واضطُهدت... وعادت لتلبس ثوباً جميلاً» على حدّ قوله... يعود في حضن «سوليدير»، ليضع الثقافة في إطارها الترفيهي والترويجي الذي ينطبق تماماً على فلسفة الجهة الداعية ونظرتها إلى بيروت، بؤرة الاستهلاك والترفيه و... الاستثمار العقاري.
إنّه المؤلّف الفرنسي جان ميشال جار (1948)، جاء يتوّج افتتاح «أسواق بيروت» ليلة السبت المقبل، بمرافقة أكثر من سبعين موسيقيّاً. برنامج الحفلة يجمع بين قديمه المعروف وعدد من المفاجآت. صاحب «تحوّلات» و«كرونولوجيا» يرى أنّ مقطوعاته «لم تتماشَ يوماً مع الموضة». حين بدأ يؤلّف الموسيقى الإلكترونية في السبعينيّات، كان الهارد روك والبانك في أوجهما. أعلن الموسيقي الستّينيّ مرّةً رغبة في التملّص من بعض تجاربه، فاعتقدنا أنّه سيجترح مساحةً تجريبيةً ذات علاقة عميقة مع اللغة الموسيقية نفسها، لكنّه لم يفعل.
دأب على اجترار رؤية فنّية أحادية البعد، على رغم استعانته بـ«تقنيّات مستقبلية» (ليزر، وصور ثلاثية الأبعاد)! وهو يوظّف فذلكات الإضاءة وتجهيزات الفيديو التي تشمل القصّة والخيال العلميّ لممارسة لعبة الإبهار البصري، والسحر! نعم إنّه السحر بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. الخدع البصرية تشحن عروضه بالدهشة، وتتفوّق على موسيقاه أحياناً. ألّف موسيقى باليه «آور» عام 1971، فعُدّ أصغر موسيقي فرنسي يعتلي خشبة «دار الأوبرا» في باريس.
الخدع البصرية تشحن عروضه بالدهشة، وتتفوّق على موسيقاه أحياناً
وحين أطلق باكورته الموسيقية «أوكسيجين» (1976)، قيل إنّها تمثّل ثورة سمعية، وإنّه جار يصدر صوتاً كونيّاً متفرّداً. «أوكسيجين» ليست حقيقةً، أكثر من رحلة ترويحية تتدثّر بستّ تيمات موسيقية. معظم ألبوماته ـــــ إن لم نقل كلّها ـــــ تقوم على مفهوم استهلاكي، وتتّسم بالبساطة والخفّة. ما يقدّمه صاحب «إكينوكس» يقترب من «موسيقى المصعد» (elevator music)، أو لعلّه عبارة عن «موسيقى سوبرماركت»، كما عنون جار إحدى أسطواناته (1983). اللافت أنّ الـ«نيو ميديا» أسهمت في صنع نجوميّة جار، وكذلك فعل بعض النقّاد الفرنسيين والعالميين. أمّا هو، فواظب على صقل صورته، وخصوصاً بعدما أصبح سفيراً للنيّات الحسنة في «الأونيسكو». بدأ يتناول مواضيع تربوية وبيئية (التصحّر مثلاً)، ما جعله مثالاً للفنّان الشعبي، و«الملتزم»، والعصري، بالمقاييس السائدة. لا تخلو أعماله من سطوةٍ ما، لكنّها غالباً ما تكون عابرة. تترك مكانها في النهاية للضخامة الصوتية والضوئية التي طبعت عروضه الحيّة في الثمانينيّات والتسعينيّات.
صاحب «زولوك» (1984)، دخل موسوعة «غينيس» بعدما وصل جمهور أحد عروضه في تكساس إلى ما يقارب مليون و300 ألف مشاهد. إضافة إلى الإعلانات التلفزيونية، لحّن جار أغنيات لفرَق عدّة، بينها «فرقة تريانغل» (بروغريسيف روك). أمّا موسيقاه التصويرية، فلم تكن مميّزة. صاحب «أغان ممغنطة» ما زال يطفو على سطح الموسيقى الفرنسية. وقد أعرب أخيراً عن إعجابه بالهندسة المعمارية في وسط بيروت، إذ إنّها تشي بـ«تواصل بين التاريخ والمستقبل». لكنّه لم ينتبه إلى أنّ بيروت في حاضرها الراهن لم تعد تتّسع إلّا للذين يملكون ثمن بطاقة لحضور حفلته (تراوحت الأسعار بين 75 ألف و300 ألف ليرة لبنانية). فأيّ «تواصل حضاري» يقتصر على الحجر، والبهرجات التكنولوجية والفنّية؟ وأيّ «مستقبل» لمدينةٍ بلا ذاكرة؟

9:00 مساء السبت 18 أيلول (سبتمبر) الحالي ـــــ «أسواق بيروت» ـــــ للاستعلام: 01/873873



٧٠ مليون أسطوانة

تحوّل جان ميشال جار إلى أسطورة حقيقية، بعدما حقّقت أسطواناته أعلى نسبة مبيعات مع أكثر من 70 مليون نسخة. كثيراً ما يزاوج صاحب «ثورات» (1988) بين المشهد القصصي والشعر الغنائي المبسّط. وقد طمح منذ البداية إلى إقامة جسور بين الموسيقى الجادة وأشكال الـmainstream الرائجة. افتُتن جان ميشال جار بالـ Électro - acoustique، الذي يرتكز إلى أصوات مسجّلة، وينهل من عين «الموسيقى الواقعية» والإلكترونية، منذ أن التقى بيار شيفر الذي أصبح في ما بعد أستاذه، وأثّر في توجّهاته التأليفية.