بعد شهرين على نشر جريدة «لو موند» محاضر تحقيق في قضية ليليان بيتانكور وريثة مجموعة «لوريال»، ها هي ترفع دعوى قضائيّة بتهمة كشف مصادرها الصحافية
باريس ـــ بسّام الطيارة
باتت الانتقادات تنهال على سياسات نيكولا ساركوزي الداخلية من كل حدب وصوب. وإن كان الرئيس الفرنسي عمل منذ تولّيه منصبه على تعزيز التناقض بين اليمين واليسار في المجتمع الفرنسي، فإن التباين في وجهات النظر بدأ يتغلغل إلى صفوف اليمين نفسه، وخصوصاً بعدما طالت طروحات ساركوزي مبادئ تعدّ مقدّسة في فرنسا مثل العدالة والمساواة. وأخيراً، جاء ترحيل مجموعة من الغجر الأوروبيين إلى بلادهم ليزيد الطين بلة.
إلا أن الدعوى التي رفعتها صحيفة «لو موند» الفرنسية العريقة ضدّ «مجهول» بتهمة «محاولة كشف مصادرها الصحافية» قد تنقل النقاش حول سياسات ساركوزي إلى داخل الحزب الحاكم. إذ تسرّبت معلومات عن لجوء السلطة إلى جهاز متخصّص بمحاربة التجسّس وهو «المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية ــ DCRI» للكشف عن مصدر المعلومات التي نشرتها «لو موند» حول فضيحة وزير العمل إيريك وورث، والمليارديرة ليليان بيتانكور وريثة مجموعة مستحضرات التجميل «لوريال».
وتعود بداية الأحداث إلى منتصف تموز (يوليو) الماضي. يومها نشرت الصحيفة الفرنسية محاضر التحقيق مع المراقب المالي، وأحد المديرين الماليين لثروة بيتانكور، ويدعى باتريس دو ماستر. وكشفت المحاضر المنشورة العلاقات المشبوهة التي ربطت بيتانكور بوزير العمل وورث من خلال توظيف زوجته. كما لم تخلُ المادة المنشورة من تلميحات إلى إمكان أن يكون هذا التوظيف «رد جميل» من بيتانكور لوورث، بعد إعفاءات ضريبية شملت شركاتها وبلغت قيمتها 30 مليون يورو، يوم كان وورث وزيراً للخزينة. ووفق مصادر مطّلعة، فإن نشر هذه المعلومات قبل أيام من استماع المحققين العدليين إلى وزير العمل، قد «أثار حفيظة (قصر) الإليزيه».
غير أن القصة تطوّرت بعدما كشفت بعض الصحف أول من أمس عن معلومات تفيد بأن دوائر الإليزيه أوعزت إلى مديرية التفتيش في الشرطة الوطنية وجهاز الاستخبارات بـ«وقف سيل التسريبات هذه بأي طريقة». وفاقم الأزمة أن هذه الأجهزة تحرّكت قبل 15 يوماً من صدور أي قرار قضائي بهذا الخصوص، في مخالفة واضحة للقانون.
وأوضحت مصادر خاصة لصحيفة «لو موند» أن أجهزة الاستخبارات هذه، اكتشفت أن أحد المقربين من وزيرة العدل ميشال أليو ــ ماري ويدعى دافيد سينا كان على اتصال مع كاتب المقالة في «لو موند» الصحافي جيرارد دافي. وتلقائياً صدر قرار بإبعاد سينا من نصبه، وتكليفه بمهمة أخرى في غويان في أميركا الجنوبية.

اتهم ساركوزي بقبض مبالغ من بيتانكور لتمويل حملته الانتخابية السابقة
ويبدو غضب «لو موند» من السلطات الفرنسية مبرراً، بما أن القانون الصادر في كانون الثاني (يناير) الماضي، يؤكّد «حماية مصادر الصحافيين. وينصّ القانون الذي وضعه ساركوزي في رد مباشر على كل من اتهمه بمحاولة وضع يده على الإعلام على ما يأتي: «تعدّ محاولة للاعتداء على سرية مصادر الصحافيين كل محاولة للكشف عن هذه المصادر، وسعيها لمعرفة هوية المصدر أو الجهة التي مدّت الصحافي بمعلوماته». ويضيف القانون «لا يمكن المسّ مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بسرية المصادر إلا في حال الضرورة القصوى التي تقتضيها المصلحة الوطنية العليا». وطبعاً، فإن التجسس على مصادر «لو موند» لا علاقة له بـ«المصلحة الوطنية العليا»!
ويتوقّع أن ينعكس قرار «لو موند» برفع دعوى ضد مجهول، مباشرة على الرئاسة الفرنسية. إذ يرى كثيرون أنّ الكشف عن هذه الفضيحة، في وقت يستعد فيه الوزير وورث للدفاع عن مشروع إصلاح الضمان الاجتماعي يعرقل خطط الرئيس الهادفة إلى تغيير حكومي معلن، تحضيراً لانتخابات الرئاسة المقبلة. وما أكّد هذه التكهّنات أن التحقيقات المسرّبة حملت تلميحات عن اتهام ساركوزي بقبض مبالغ نقدية من عائلة بيتانكور لتمويل الحملة الانتخابية السابقة.