بعد وفاة إيريك رومير مطلع هذا العام، ها هو كلود شابرول (1930) يغادرنا أمس عن ثمانين عاماً، تاركاً وراءه إرثاً حافلاً بالإنجازات السينمائية. شابرول أحد رواد الموجة الجديدة في فرنسا، قبل أن يستقلّ بأسلوبه ويذهب إلى سينماه الخاصة... ويحقق أفلاماً تجاريّة.تميّز بكثرة إنتاجه، ترك وراءه أكثر من سبعين فيلماً، تميّزت بنقدها اللاذع لحياة البورجوازية الفرنسية. ولد المخرج الراحل في باريس، نشأ في قرية ساردان في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. ولعه بالفن السابع دفعه إلى تأسيس نادٍ للسينما في حظيرة. هناك، كان يعرض أفلاماً يختارها مع أحد أصدقائه. وكما هي الحال مع معظم أفراد عائلته، توجه شابرول إلى باريس لدراسة الصيدلة. لكنّ لقاءه بجان لوك غودار، وإيريك رومير، وفرنسوا تروفو، وجاك ريفيت، على صفحات مجلة «دفاتر السينما» الفرنسية، غيّر حياته. المجلّة الملهمة التي كانت أهم صوت سينمائي في فرنسا ما بعد الحرب، والمنجم الأول لما عرف لاحقاً بسينما المؤلف.
وتماماً كزملائه، انتقل شابرول من النقد إلى الإخراج. في عام 1958، أنجز باكورته الروائية «سيرج الجميل» تلاه «أولاد العمّ» (1959) الذي نال عنه «الدب الذهبي» في برلين. وامتد إنتاجه في ما يعرف بمرحلته التجريبية الأولى إلى عام 1963، إلى حين انتقاله إلى ما يعرف بمرحلته الذهبية التي برز فيها تأثره الواضح بهيتشكوك، وبفريتز لانغ. هذا التأثّر منح تقنياته السينمائية أبعاداً أخرى، من خلال اهتمامه بسيكولوجيا القتل أو بتقنيات السرد وعلاقتها المتشابكة بالصورة. وآخر أفلامه هو Bellamy مع جيرار دوبراديو الذي حققه عام 2009.
إنتاجه الخصب أبعده قليلاً عن دائرة زملائه من أمثال غودار وتروفو، وجرّ عليه وابلاً من الانتقادات في مرحلة لاحقة من حياته المهنية. بعدما فشلت أفلامه الأولى في تحقيق أرباح مادية، اتجه إلى إخراج أفلام ذات طابع تجاري جلبت له عداوة النقاد. لكنّ الجودة بقيت تطبع الأسلوب الشابرولي، وتمثّل إحدى علاماته الفارقة، وإن فقدت سينماه بعض بريقها في الثمانينيات والتسعينيات.
برحيل شابرول، لم يبقَ من رواد الموجة الجديدة إلا غودار وريفيت. الراحل الذي قال: «جلبت الفيلم إلى العالم كالزهرة»، يرحل عن هذا العالم مخلِّفاً وراءه إرثاً كبيراً وتاريخاً سينمائياً مليئاً بالجدل.
يزن...