أنس زرزر يعلن أسامة غنم خياره التجريبي في العمل على عناصر «حدث ذلك غداً» الذي قدّمه بالتعاون مع «مختبر دمشق المسرحي» و«تجمع تنوين للرقص المسرحي». قدّم غنم قراءة دراماتورجية محلية معاصرة لنصوص عالمية، انطلاقاً من الشريط المسرحي «الآن.. وهنا». هذا ما يؤكده أيضاً المكان الذي اختاره مصمم السينوغرافيا حكمت الشطا لتقديم العرض: محمصة قديمة أعيد ترميمها في دمشق القديمة، شكّلت فضاءً مسرحياً دمج خشبة العرض مع مكان جلوس المتفرجين.
يبدأ العرض حين يدخل المخرج براين (محمد آل رشي) مع الممثلة الناشئة لولو (نوار يوسف)، يقدمان فصلاً من مسرحية «تسوّق ومضاجعة» لمارك رافنهيل التي كتبها منتصف التسعينيات. يطلب براين منها التمثيل أمامه وهي تخلع ثيابها تلبية لرغباته المكبوتة. ترتجل لولو مقطعاً من مسرحية «الشقيقات الثلاث» لتشيخوف، وتقول: «ذات يوم، سيعرف الناس لماذا كان كل هذا، كل هذه المعاناة، لن تكون هناك أسرار بعد الآن». ربما تلخص هذه العبارة فكرة العرض الذي يمتد ساعتين: يتغير الزمن، لكن معاناة المرأة مع المجتمع ستبقى ذاتها. ننتقل إلى المشهد الثاني. تبقى لولو جالسة مكانها، تراقب عمق الصالة مع الجمهور، تدخل الآنسة رانش (أمل عمران) قادمة من عملها إلى منزلها الصغير المرتب. نعيش مع رانش مشهداً طويلاً صامتاً امتد قرابة 25 دقيقة من المسرحية الصامتة «ما يطلبه الجمهور» التي كتبها الألماني فرانز كزافيه كروتز عام 1972، مستمداً فكرتها من حادثة

رافنهيل، كروتز، تشيخوف، داريو فو وفرانكا راميه: لا عزاء للسيدات

انتحار هزت البلاد. إنها حكاية امرأة حاولت التمرد على واقعها، عندما اختارت العيش وحيدة، لكنها سرعان ما تكتشف عجزها. هنا استطاعت عمران بأدائها التمثيلي المتقن، جذب الحضور رغم طول المشهد الصامت الذي كسره دخول لولو لمراقبة تفاصيل رانش اليومية. لحظات وتبدأ لولو بتمثيل «العاهرة في المصح العقلي» وهي واحدة من مجموعة نصوص كتبها داريو فو مع زوجته فرانكا راميه.
هنا حاولت لولو إيجاد تبرير منطقي إنساني للعاهرات. لا يفصل بين هذا المشهد والمشهد الأخير، سوى خروج نوار يوسف من شخصية العاهرة، ودخولها في شخصية أخرى بحرفية تحسب لها. هكذا، تتحول إلى مناضلة معتقلة تشهد لحظاتها الأخيرة قبل إعدامها، في مونودراما أخرى لراميه بعنوان «حدث ذلك غداً». يبدو مقترح التجريب والحلول الإخراجية التي عمل عليها غنم واضحة مع تقدم العرض، تتلخص بمحاولة الربط بين نصوص مختلفة تحمل الفكرة ذاتها، ومناورة عناصر العرض الثابتة والتحايل عليها دراماتورجياً، لمصلحة إيجاد شكل فني الجديد، وتقديم أفكار معاصرة تلامس حياتنا اليومية التي تريد القول: لا خلاص للمرأة من سلطة المجتمع. هذا ما حاول قوله قبل قرن النرويجي أبسن في مسرحيته «بيت الدمية (1879) ويعيد غنم ورفاقه تجسيده بأسلوب مختلف كلياً.