إنها مملكة بحق. مملكة أقامتها النساء في غياب الرجال. بيوتها شُيدت حجراً فوق حجر بالأيدي الناعمة في أزمنة حالكة وقاسية. نساء حرقن الخيمة واستبدلن بها بيوتاً، رغماً عن الاحتلال الإسرائيلي. الإرادة تبدو نبضاً أساسيّاً لفيلم الفلسطينية دانا أبو رحمة «مملكة النساء: عين الحلوة».لا تحضر المادة الوثائقية بقوة في الفيلم، بقدر ما تحضر مرويات نساء مخيم عين الحلوة. يستعدن كيف أعدن إعمار بيوتهن التي هدمها الجيش الإسرائيلي في اجتياح 1982، بعدما اعتقل رجال المخيم الذين تراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والستين.عنوان الفيلم هو المعبر الأكثر دقة إليه. بمعنى أنّ النساء عنصر حاسم في التأسيس لهذا المخيم/ المملكة. يأتي هذا التوصيف أيضاً على لسان إحدى السيدات اللواتي يتكلمن في الفيلم عن معاناتهن أثناء الاجتياح الإسرائيلي. ولعل كلمة معاناة غير دقيقة، لأن النساء اللواتي نشاهدهن، يمثلن مفهوم الصمود أكثر من المعاناة. لا بل إنّها ــــ أي المعاناة ــــ لن تروى إلا بمسحة كبيرة من التفاؤل، والنساء يتكلمن عن منجزاتهن أثناء الاجتياح في ظل الاختفاء التام للرجال، وبقدر كبير من المرح واجتراح النكات. تستعين أبو رحمة برسوم توضيحية لما ترويه السيدات، لا بل إن الرسوم الغرافيتية في الفيلم بمثابة تجسيد بصري لما نسمعه من بطلات المخيّم. في النهاية، يستسلم الجنود لإرادة النساء في بناء بيوتهن بدل الخيم. هكذا، نجد من تخبرنا عن آلام الظهر التي عانت منها، بينما تروي سيدة أخرى كم كان بطيئاً الرجل السبعيني الوحيد الذي ساعدهن. ولعل هذه التفاصيل وقدرة النساء على سردها بدفء ومرح ستكون من أهم العناصر التي منحت الفيلم خصوصية متأتية من خصوصية النساء اللواتي ظهرن فيه.
في المستوى الثاني من الفيلم، التركيز هو على حاضر المخيم ومصائر تلك النسوة وحفاظهن على الهوية الفلسطينية من خلال التطريز وأعمال أخرى، مروراً بالأولاد، وحلم بعضهم بزيارة فلسطين من خلال فرقة الرقص التي يشاركون فيها، وصولاً إلى المخيم نفسه ببيوته المتلاصقة وأزقته الضيقة والملتوية. كل ما تتمناه النساء ألّا يعيش الأبناء ما عشنه وأن تكون أيامهم أفضل.
ز. ع.

7:00 مساء اليوم ــــ المكتبة العامة لبلدية الباشورة (بيروت). للاستعلام: 01/667701