لا شيء تغيّر بين الأمس واليوم. الدول العربية تلتقي عند قمع حرية التعبير. هذا ما نلاحظه في تقرير منظّمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2010
محمد خير
الأرقام لا تكذب لكن يمكن تأويلها وتزيينها. مثلاً، يذكر التقرير السنوي لمنظمة «مراسلون بلا حدود» أن مصر تقدمت 16 مركزاً في مجال حرية الصحافة في عام 2010. الرقم إيجابي من حيث الشكل، لكن مضمونه أن مصر وصلت إلى المركز الـ127 بين دول العالم، بدلاً من المركز الـ143 (عام 2009). كيف يمكن تقويم هذا «التقدّم» في بلد تخطّى عمر صحافته قرناً ونصف قرن؟ أي أكثر بكثير من معظم الدول الـ 126 التي سبقت مصر في الترتيب؟ علماً أنّ فترة إعداد التقرير لم تغطّ الأحداث الأخيرة المؤسفة في الإعلام المصري، من تدمير لصحف خاصة وإلغاء برامج، وفرض الرقابة على الرسائل الإخبارية. بالنظر إلى تلك «التطورات» الأخيرة، يُنتظر أن يعبّر ترتيب مصر في تقرير العام المقبل عن حقيقة أجوائها بالرقم والشكل والمضمون.
يمكن تأمل ما سبق أكثر بالنظر إلى الحالة اللبنانية. رغم أنّ بيروت لم تشهد في العام الأخير ما شهدته الصحافة المصرية من قمع وترهيب، ها هو ترتيب لبنان يتقهقر في تقرير المنظمة نفسها من المركز الـ61 في عام 2009، إلى المركز الـ78 في 2010. ذلك أن تحسّن أوضاع دول أخرى قد يجعلها تحتل مكان من يسبقها في الجدول، حتى لو كان تحسناً على طريقة التحسن المصري. كما أن ثمة نوعاً آخر من التحسن هو التحسن الإسرائيلي. ومن الغريب أن تقارير وكالات الأنباء لم تتناول الحالة الإسرائيلية رغم أنها تحتوي على دلالات ملفتة.
على خلاف بقية دول العالم، تحتل إسرائيل ثلاثة مراكز في كل تقرير: مركز لدولة إسرائيل نفسها، ومركز لأراضي الحكم الذاتي الفلسطيني «يقوّم أداء السلطة الفلسطينية أي «فتح» و«حماس»»، ومركز ثالث يقوّم ممارسات إسرائيل داخل أراضي الحكم الذاتي. لتوضيح ما سبق، تقدم مركز إسرائيل «خارج أراضيها» لتصبح في المركز الـ132بدلاً من المركز الـ150. لماذا ربحت إسرائيل هذه المراكز الـ 18؟ لأنها لم تقتل في عام 2010 عدداً مماثلاً للصحافيين الذين قتلتهم عام 2009 أثناء العدوان على غزة. أما «داخل إسرائيل»، فقد تقدمت الدولة العبرية سبعة مراكز فقط من الـ93 عام 2009، إلى الترتيب الـ86 في العام الحالي، ذلك لأنها لم تخض

حرية الصحافة: تراجع لبناني ملحوظ
حرباً هذا العام تستلزم معها فرض الرقابة العسكرية على النشر. لكنّ رقماً «مفرحاً» آخر ينتظر. في الأراضي الفلسطينية، ثمة تقدم أيضاً في سلوك «فتح» و«حماس» مع الصحافيين: تقدمت أراضي السلطة الفلسطينية 11 مركزاً، فوصلت إلى المركز الـ150. وفقاً لذلك الترتيب، فتضييق السلطات الفلسطينية على الصحافة يزيد عن قمع الاحتلال للصحافة نفسها، هل يكفي التعجب هنا؟!
على أي حال، فبقعة الاحتلال الآخر، أي دولة العراق، شهدت تقدماً على طريقة الأراضي الفلسطينية. تقدّم العراق من المركز الـ145 العام الماضي، إلى المركز الـ130 لعام 2010. وسر هذا «التقدم» أنّ السلطات العراقية لا تفرض رقابة مباشرة على الصحف. أما سر الترتيب المتأخر، فهو سوء الحالة الأمنية التي تضرّ الصحافيين.
وإذا كان العراق وفلسطين يعيشان أجواءً غير طبيعية، فالقلق لا بد من أن يعم العالم العربي بالنظر إلى حالتي القاهرة وبيروت على اعتبارهما مهد صحافة الضاد. لا يعكس «التقدم» المصري و«التأخر» اللبناني ـــــ طبقاً للتقرير ـــــ سوى المزيد من المخاوف. لكن بالنظر إلى الجدول الذي ضم 178 دولة، يمكن القول بضمير ـــــ مطمئن؟ ـــــ إن التضييق على الصحافة أهم ما يجمع العرب. ينقسم العالم العربي إلى دول معسكرات متقابلة، لكنها تلتقي كلّها في قمع حرية الرأي والتعبير، وهذا هو الشيء الوحيد الذي لا يتغير في تقارير «مراسلون بلا حدود».