علي السقاهل العنف صفة ملازمة للإسلام المعاصر؟ هل يمثّل النص الديني الإسلامي غطاءً لممارسة العنف؟ ما هي العوامل التي انطبع بها الإسلام في المتخيل الغربي، كنموذج للتخلُّف؟ هذه الأسئلة وغيرها تناقشها الزميلة ريتا فرج في كتابها «العنف في الإسلام المعاصر» (المركز الثقافي العربي). مثّل دخول الاستعمار بثقله العسكري والاقتصادي والثقافي، ديار الإسلام، علامة على انكفاء الأخير، لكنّه كان باعثاً على بروز أطروحتين داخل المجتمعات الإسلامية. قالت الأولى بإمكان المواءمة بين مفهوم الدولة الحديثة، وروح الإسلام (رفاعة الطهطاوي مثالاً)، فيما قالت الأخرى، بحتمية العودة إلى إسلام السلف، متمثّلاً بالمرحلة الراشدية. فقد رأت في هذه المرحلة، سبيلاً للنهوض بالأمة الإسلامية، من وطأة المفاهيم الدخيلة على الإسلام، التي أرساها الغرب المستعمر. بحسب فرج، أوجدت «سياسة التغريب المتمثلة في الاستعمار القديم والجديد، أزمة وعي أبرزت حدة الشرخ بين الشرق والغرب، ممّا أعطى الحركات الإسلامية أن تكون أكثر عنفاً في تعاطيها مع الأنظمة العربية والغرب». تبلور مفهوم الحاكمية، بعد المودودي، على يد سيد قطب، ليصبح إيديولوجيا طبعت عمل الحركات الإسلامية ونظرتها إلى المجتمع والسلطة. في سياق صيرورتها التاريخية، عرفت هذه الحركات كما تشير فرج، مهادنة للأنظمة (كما فعل حسن البنا في مصر). لكنها عادت بقوة بعد «فشل» طروحات العلمنة والتحديث، «لينطلق قطب بالايديولوجيا التكفيرية، معلناً جاهلية المجتمعات الإسلامية وتعطيل الاجتهاد ثم تقسيم العالم الى دار إسلام ودار حرب». كان لإلغاء العقل عبر تعطيل الاجتهاد مترتبات سياسية واجتماعية، ليس أقلّها تحديد ماهية السلطة

تسييس الدين ظاهرة أوروبيّة بامتياز
(إسلامية أو كافرة) ثمّ كوّن علاقتها بالمسلمين وطبيعتها. لكنّ المفارقة تكمن في «أنّ النص القرآني لم يحدّد إطاراً عاماً للحكم أو يؤسس لمنظومة سياسية تتكوّن من خلالها آلية التعاطي بين الحاكم والرعية». إنّ مأزق غياب النص المقدس المتعلق بالسلطة، يفسر عودة العرب منذ وفاة النبي إلى عادات اجتماعية سابقة على الإسلام، أي ممارسة العنف القبلي.
رغم وجود مؤشرات تاريخية تدلّ على الاندماج المسيحي في المجتمع الإسلامي، انطبع الإسلام في الغرب بصورة العنف والتهديد لمنجزات الثورة الفكرية الأوروبية. يظهر ذلك جلياً في كتابات المستشرقين لجهة التركيز على «مركزية أوروبا المسيحية في مقاربتها للحضارة الإسلامية». رغم تفاوت النظرة والتفسيرات بين كل من هاملتون جيب، وجولدزيهر، وبرنارد لويس، فإنّ «ربط الإسلام بالعنف، ركن إلى التأثيرات الثقافية القروسطية، وإسقاطها بطرق مختلفة لجهة المقارنة بين الغرب المتقدم، والشرق الاستبدادي المتأخر الذي كي يتخطى واقعه، يجب عليه قبول الأنموذج الغربي المسيحي».
لا يرتبط العنف بهوية دينية كما توضح فرج، فإذا «كان العنف في الإسلام المعاصر بنيوياً وفقاً لبعض القراءات الغربية، فإنّ ظواهر التسييس والعنف ليست حكراً عليه، فقد امتلأ تاريخ أوروبا بمحاكم التفتيش، وحروب الأديان والمنظمات العنيفة. لأنّ العنف ظاهرة أنثروبولوجية في كلّ المجتمعات، حيث كلّما تراكمت مشاكلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإنها ستنفجر مستخدمة اللغة الدينية تبريراً لانفجارها».