في انتظار داود عبد السيد وبهيج حجيجأبو ظبي ــ زياد عبد الله
إذا كانت الدورة الثالثة من «مهرجان أبو ظبي السينمائي» قد اختتمت بالماعز حين أحضر المدير التنفيذي للمهرجان بيتر سكارليت أربع عنزات، بدلاً من نجوم فيلم الاختتام «الرجال الذين يحدقون بالماعز»، فإن افتتاح الدورة الرابعة يوم الخميس الماضي كان من نصيب الأحصنة مع فيلم Secretariat. هذه المرة، جاء سكارليت بمجسّم حصان وقدّم حوارية طويلة مع شاب إماراتي عرض فيها مغريات ما تقدمه هذه الدورة بغية إقناعه بمتابعاتها. لكن قبل فيلم راندل والاس Secretariat، عرض شريط قصير للإيراني جعفر بناهي بعنوان «أكورديون»، في نوع من التضامن مع السينمائي الإيراني الممنوع من السفر، بسبب مواقفه المتضامنة مع المعارضة في بلاده. يحكي الفيلم الذي لا يتجاوز خمس دقائق عن الاضطهاد الديني والاقتصادي والعسكري.
بعد بناهي مباشرة، جاء Secretariat ليفتح الباب على مصراعيه أمام الخيول وسباقاتها في نسيج درامي هوليوودي. شاهدنا دايان لين تنتقل من تحدٍّ إلى آخر، والخيل الحمراء التي صار اسمها «سكريترييت» تفوز من سباق إلى آخر... وقد استكملت بإرادة المرأة الحديدية عناصر نجاحها مع المدرب لوسيان لوران (جون مالكوفيتش). مع «سكريتيرييت»، يمكن استعادة «الخيل والليل... ودايان لين» إن كان المطمح استشراقياً، وفقاً لاقتناع أميركي طاغٍ، على ما يبدو، بأن أفضل وسيلة للتواصل مع العرب هي... الخيللحسن الحظ، إن على البرنامج أفلاماً أخرى. بوسع الجمهور الاختيار بين 170 فيلماً تقدمها هذه الدورة، وتؤلف بانوراما عالمية منتقاة «بشغف»، ذلك التعبير الذي يردده سكارليت دوماً. بينما يرى انتشال التميمي مبرمج الأفلام العربية أنّ «مهرجان أبو ظبي» أصبح قبلة السينمائيين العرب والأجانب، مشيراً إلى أنّ «خريطة عروض الأفلام في المنطقة العربية تبدأ مع مهرجان أبو ظبي».
15 فيلماً في مسابقة الروائي الطويل، بدأت عروضها مع فيلم الكندي دني فيلنوف «حرائق» المقتبس عن نص المسرحي وجدي معوّض. يقدم الشريط ميلودراما عن الحرب الأهلية اللبنانية. يبدأ الفيلم من كندا، ويعود إلى بلد شرق أوسطي يُقدم فيه المسيحيون على قتل المسلمين واللاجئين والعكس صحيح، ويمرّ على واقعة «بوسطة عين الرمانة» باعتبارها تجري في الصحراء! الفيلم جاء نصف خيالي نصف واقعي. لكن تضارب اللهجات العربية، وتحويل بيروت إلى عمان (موقع التصوير)، من العناصر التي تضعف العمل.
وفي إطار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي يرأس لجنة تحكيمها هذا العام المخرج الأرجنتيني لويس بوينزو، قدم السوري نضال الدبس جديده «روداج». الفيلم ثاني شريط سوري يعرض في «أبو ظبي» من إنتاج القطاع الخاص في سوريا، بعد شريط حاتم علي «الليل الطويل». ويندرج ذلك ضمن الجهود التي يبذلها المخرج السوري هيثم حقي في بعث القطاع الخاص في سوريا، من خلال شركته «ريل» للأفلام، لكونه منتج كلا الفيلمين، إضافة إلى إنتاجه أفلاماً أخرى من بينها جديد عبد اللطيف عبد الحميد... يبقى رهان حقي منحازاً إلى التجريب والبعد الجمالي، وفيلم الدبس يندرج في هذا السياق. في «روداج» يقود الحب إلى علاقة ترزح تحت وطأة الخوف والبنى السلطويّة والقمعيّة... ويكون مصيرها

«خريطة العروض العربيّة باتت تنطلق من مهرجان أبو ظبي» (انتشال التميمي)

التحنيط. فشخصية محنط النسور التي أداها سلوم حداد، سرعان ما تتخذ أبعاداً دراميّة ورمزيّة تنتهي به إلى محنّط للحب . ولا مفرّ من ملاحظة أن القاعدة التي أسس عليها الفيلم معرّضة لخيانات تقنية، ما حدّ من خصوصيّته وتمايزه. ولعل فيلم الدبس هو آخر أعمال السينمائيين السوريين الذين تخرّجوا من «فغيك» (المعهد العالي للفنون السينمائية في موسكو) كما قدمته رشا السلطي، المشاركة في صياغة البرنامج العربي للمهرجان.
أبرز أفلام المسابقة حتى الآن كان «أرواح صامتة»، فيلم الروسي أليكسي فيدورتشنكو الذي يؤكد طليعية هذه السينما المتواصلة... إضافة إلى فيلم مميز للبوسني دانيس تانوفيتش بعنوان «سيرك كولومبيا»، يرصد بدايات تفكك يوغسلافيا. ويخبّئ لنا البرنامج في الأيّام المقبلة أفلاماً كثيرة تعبّر في اجتماعها هنا عن «شغف» القائمين على مهرجان أبو ظبي. عربيّاً، نحن في انتظار «شتي يا دني» للبناني بهيج حجيج عن مخطوفي الحرب ومصائرهم، وجديد المصري داود عبد السيد «رسائل البحر».
إلى جانب مسابقة الروائي الطويل، نشير إلى مسابقة «آفاق جديدة» المستحدثة، ويرأس لجنة تحكيمها السينمائي الفلسطيني إيليا سليمان. الأفلام المتنافسة هي لمخرجين في عملهم الأول أو الثاني، كما هي حال دانا أبو رحمة في فيلمها الثاني «مملكة النساء: عين الحلوة» عن سيرة النساء الفلسطينيات إبان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. وكذلك الأمر مع رانيا عطية ودانييل غارسيا في «طيب، خلص يلا»، وجود سعيد في باكورته المميزة «مرة أخرى»، وصولاً إلى عدي رشيد في «كرنتينا» الذي يصوّر معاناة العائلات العراقية المهجّرة.
برامج أخرى كثيرة تشهدها الدورة الرابعة، تمتد إلى مسابقة الوثائقي حيث فلسطين حاضرة لكن بعيون غربية، كما هي الحال مع فيلم الألماني روبرت كريغ «أطفال الحجارة ــــ أطفال الجدار». يتعقب الشريط أطفال الحجارة، وما آل إليه مصيرهم اليوم. ولا بد من إشارة إلى «دموع غزة» للنرويجية فبيكه لوكبرغ التي توثّق ما عاشه سكّان القطاع إبان العدوان الإسرائيلي. أما «ميرال» لجوليان شنابل (راجع مقالات الصفحة المقابلة(، فمادة لنقاش طويل عن طريقة تعاطي الغرب مع قضايانا المصيريّة.


تتواصل عروض المهرجان حتّى 23 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي
www.abudhabifilmfestival.ae/ar