دمشق ــــ خليل صويلح فجّرت الندوة التي أقامتها صالة «رافيا» الدمشقية بعنوان «الفن العربي في عالم يتغيّر» أسئلة ساخنة عن واقع المحترف العربي. الندوة التي استضافها المتحف الوطني في دمشق بمشاركة تشكيليين ونقاد عرب وسوريين، وضعت الفن العربي المعاصر أمام مأزقه التاريخي، لجهة الهوية الملتبسة في تأصيل تجارب الرواد. هذه التجارب التي لم تكن إلا صدى مباشراً للمحترف الأوروبي، وفقاً لما قاله فاروق يوسف. وأشار الناقد العراقي إلى غياب الهوية الشخصية عن معظم هذه التجارب. من جهته، أكد الناقد السوري سعد القاسم تشظّي الخريطة التشكيلية العربية إلى انتماءات متباينة، تبعاً للأطروحات الإيديولوجية التي رافقت تشكّل هذا المحترف، والحيرة بين الموروث المحلي وهيمنة ثقافة المركز الأوروبية على المنتج التشكيلي العربي.
التشكيلي المصري عادل السيوي لخّص تحولات المحترف العربي المعاصر بتراجع السرديات الكبرى، واشتغال الفنان المعاصر بالتفاصيل في غياب المرجعيات الكليّة، وتداخل الأنساق المعرفية عبر وسائط جديدة، ألغت الحدود بين أنماط الفنون والكتابة، وهو ما أدى إلى تصدّع الحدود. وتساءل هنا: «هل التصوير هو السطح أم هو

شكوى من الصراع المتجدد بين حرّاس التراث وأقطاب الحداثة


الإيهام بالعمق؟ وهل النحت اغتصاب الفراغ أم إظهار طاقة الكتلة؟». ونبّه السيوي إلى الدور الحاسم لطغيان العرض الجماعي على حساب التجربة المفردة للفنان. ووصف المحترف المعاصر بـ«زمن الشاشة»، ليهتزّ عرش التصوير بالنزوح إلى وسائط تقنية جديدة، تلغي المهارة الفردية. وأضاف أن هناك إعادة اعتبار للفوتوغرافيا بوصفها رافعة معاصرة بقصد «نفي الأسلوب». لكن ماذا عن المعاصرة العربية؟ يقول «هناك نزوح جماعي ومتعجل نحو الوسائط الجديدة وهجرة الأنواع المعتمدة لمصلحة الفنون التركيبية والفيديو آرت، والفن الإلكتروني، من دون عصرنة المحتوى، إلى إعادة إنتاج المواقف وتزايد أثر السوق على المنتج». يوسف عبدلكي شنّ حملة على التوجهات الجديدة للفنون العربية، واتهمها بتسويق أجندة وافدة في منتهى الخطورة. لكنه استدرك «هناك تجارب شبابية أصيلة، لم تنخرط في هذه الموجة». واختتم قائلاً «ابحث عن التمويل». وهذا ما نبّه إليه إحسان عنتابي مشيراً إلى أنّ النزوح إلى مصادر إلهام جديدة أفقد المحترف السوري جذوره التدمرية والأوغاريتية.
سؤال الهوية أعاد السجال إلى المربع الأول. هكذا رأى الناقد التونسي محمد بن حمودة أن الهوية طريق إلى العالمية، مشيراً إلى الصدمة التي يعيشها الغرب اليوم باندحار الفنون المحلية. ولفت إلى فرادة تجربة فاتح المدرس في المحترف العربي كنموذج للهوية المحليّة، فيما دافعت الباحثة العراقية ندى شبوط عن تمازج الفنون المعاصرة تحت راية الحداثة بكل أطيافها.
في الجلسة الأخيرة، تساءل التشكيلي السوري الشاب ناصر حسين عن معنى الريادة، وقال إن جيله يعيش يتماً مزدوجاً، لجهة غياب المرجعيات وعدم وجود أرشيف أو متحف للتشكيل السوري المعاصر، وغياب النقد عن التجارب الجديدة، ما خلق حالة من الفوضى. وعرض شرائح من أعمال تشكيليين سوريين وعرب مقتبسة حرفياً عن أعمال أوروبية، فيما اشتكى ياسر صافي من الصراع المتجدد بين حرّاس التراث وأقطاب الحداثة، والخوف من الاختلاف.