فجأةً، أفاق الشارع المصري أول من أمس على إقفال أربع قنوات دفعةً واحدة في توقيت مريب، تشهد فيه الساحة الإعلامية تضييقاً متزايداً لهامش الحرية
محمد عبد الرحمن
فجأةً ومن دون مقدمات، أعلنت المنطقة الحرة للإعلام ـــــ المسؤولة عن استضافة الفضائيات التي تعمل داخل مصر ـــــ أنّها قررت مخاطبة الـ «نايل سات» لقطع الإشارة على أربع قنوات وهي: «الناس» و«الخليجية» و«الحافظ» و«الصحة والجمال». تأتي هذه الخطوة بعد أيام على إغلاق قناة «البدر». ووجهت إدارة المنطقة تحذيراً إلى قناتي «أون تي في» التابعة لنجيب ساويرس، و«الفراعين» المملوكة لتوفيق عكاشة، الإعلامي المحسوب على الحزب الوطني، بالإغلاق إذا استمرت في التجاوزات ومخالفة القوانين. وهو ما تكرر مع القنوات الأربع التي أُقفلت ـــــ وفق البيان الرسمي ـــــ بسبب مخالفة القوانين من دون تحديد هذه التجاوزات. غياب هذه التفاصيل في كل مرة يصدر فيها قرار يقلّص هامش الحرية الإعلامية في مصر، يُطلق التساؤلات عن النية الحقيقية وراء تلك القرارات. المعلَن دائماً هو الرغبة في التنظيم، وهو ما يرحّب به الجميع، وخصوصاً في ما يتعلّق بقناة «الناس» التي ترفع شعار «شاشة تأخذك للجنّة». هذه الحزمة من الفضائيات تتعرض منذ ثلاث سنوات لحملات مستمرة تطالب بوضعها تحت المراقبة. ويؤخذ على هذه الفضائيات الخطاب الديني الذي تروّج له لكونها شاشات مخصّصة للفكر السلفي المتشدد، أو استضافتها أطباء يدفعون مقابلاً مادياً لظهورهم على الشاشة والإعلان عن عيادتهم الطبية طوال الحلقة! أضف إلى ذلك ازدياد شكاوى العاملين في هذه القنوات من عدم الحصول على مستحقاتهم المالية بانتظام، والاستغناء عن الفتيات، وغيرها من المخالفات التي تناولتها الصحافة مراراً من دون أي استجابة من القيمين. بالتالي، فإنّه رغم الترحيب بالقرار الذي طالب أصحاب هذه القنوات بتصحيح أوضاعهم أولاً والعودة إلى البث، تظل علامة الاستفهام معلقة عن سرّ هذه القرارات، التي توصف بالتنظيمية في هذا التوقيت تحديداً، ومنذ قرار إغلاق استوديوهات «أوربت» وما حدث بعد ذلك في الوسط الصحافي والإعلامي. من جهة أخرى، جاء الإنذار الموجه إلى «أون تي في» و«الفراعين» ليزيد الشكوك. إذ إنّهما قناتان غير متخصصتين ومملوكتان لشخصيتين معروفتين. وبما أنّ بيان المنطقة الحرة لم يحدّد نوعية التجاوزات التي أقدمت عليها المحطتان، خرجت إدارة «أون تي في» لتؤكد أنّ التجاوزات تتمثل في الخدمة الإخبارية التي تقدمها المحطة، وخصوصاً الشريط الإخباري الذي يظهر أسفل الشاشة. بمعنى آخر، لم يعد مسموحاً بتقديم خدمة إخبارية على قنوات خاصة من دون إذن، وهو نص موجود في

لم يعد مسموحاً تقديم خدمة إخبارية على قنوات خاصة من دون إذن

القانون، بالمناسبة لم يُستخدم إلا عندما قرر القائمون على الإعلام المصري تنظيم السوق، لكنهم كانوا أكثر رفقاً بـ «أون تي في» و«الفراعين»، إذ اكتفوا بتوجيه الإنذار. وهو ما جعل البعض يتساءل عن سبب عدم إعطاء القنوات الأربع مهلة لتصحيح أوضاعها، في وقت اكتفى فيه المسؤولون بالتلويح بإجراءات ضدّ القنوات التي تروّج للطب البديل والسحر، وغيرها من القنوات التي تعمل ليل نهار من دون رقيب. ومع ذلك، لم تغلَق أول من أمس مع «الناس» وشقيقاتها الثلاث. كأن أصحاب القرار فضّلوا ألا تخرج الصحف ووكالات الأنباء بتقارير تؤكد إغلاق عشرات القنوات دفعةً واحدةً. ووسط هذا الجدل، تناسى كثيرون أن مئات الأشخاص فقدوا عملهم بسبب تلك القرارات الفجائية ابتداءً من العاملين في «أوربت» في مصر، ثم العاملين في القنوات الخمس التي أُغلقت، تماماً كما حدث منذ شهور مع العاملين في قناة «الساعة»، وإن كانت الأخيرة قد أُغلقت لأسباب سياسية، وتأكّد الجميع من عدم عودتها بعدما بيع التردد الخاص بها لقناة أخرى.