زينب مرعيعند متابعة مسرحية «عرس النصر»، تلاحظ بين الممثلين الأربعة شاباً موهوباً ومليئاً بالحيويّة. هو قلب المسرحية النابض والقوة التي تدفعك إلى متابعتها حتى النهاية، أمام نص تشعر أنّك تعرفه جيداً. إنّه قاسم اسطنبولي في دور الرجل المسنّ عباس، أو أبو حسين في المسرحية التي يخرجها الشاب (1986) أيضاً، وقد عرضها أخيراً على «مسرح بابل» وسيقدّمها قريباً في عدد من المناطق اللبنانية.
لا يخاف اسطنبولي الارتجال أو مخاطبة الجمهور، بل يفضّل أن يستفزّه منتظراً رد فعله.
تروي أحداث المسرحية المستمدّة من واقع الحياة الجنوبيّة في عدد من القرى والمناطق اللبنانية، قصة حقيقيّة لعائلة فقدت ابنها الوحيد في ميدان المعركة، بعدما قرّر ترك كليّة العلوم في «الجامعة اللبنانية» ليلتحق بالمقاومة خلال عدوان تموز 2006. القصة تشبه قصص معظم العائلات الجنوبيّة، لكن اسطنبولي حاول أن يتوسّع فيها، ليخبر من خلالها أيضاً يوميات عائلة جنوبيّة بسيطة.
وكان المخرج الشاب قد نظّم مع فضل الموسوي، ورشة عمل في مدينة صور جمع فيها شباباً عايشوا الحرب. ثمّ طلب من هؤلاء أن يكتبوا قصصهم ليختار في النهاية قصّة أحد الطلّاب الكثر الذين استشهدوا على الجبهة ويحوّلها إلى مسرحية. الخطاب المسرحي في «عرس النصر» مباشر، كما هي الحال مع الفن الهادف إجمالاً الذي يؤمن به اسطنبولي، فالمسرح بالنسبة إلى عاشق شوشو، مرآة للواقع والإنسان، ويجب أن يحمل رسالة إلى جانب غرضه الفنّي.
وهذه هي حال أغلب مسرحيات قاسم اسطنبولي التي أخرجها ومثّلها في الشوارع والقرى اللبنانية. حملت جميع أعماله همّاً إنسانياً أو اجتماعياً. تطرّق مثلاً في مسرحيته «قوم يابا» (2008) التي عرضها أمام السفارتين المصرية والأميركيّة إلى موضوع الحرب على غزّة. ثم في «نزهة في ميدان المعركة» اقتبس نصّ فرناندو أرابال، ليتحدث عن الحرب الأهليّة اللبنانية. كذلك في «هوامش» (2009)، غاص في عالم العنف ضدّ المرأة والتهميش الذي تتعرض له. بعدها، استكمل الموضوع في «محكمة الشعب» بالتنسيق مع حملة «جنسيتي». وكان هذا العمل الأخير محكمة صورية عرضها في عين المريسة.
رغم أنّ المسرح الذي يقدّمه المتخرّج من «الجامعة اللبنانية»، هو مسرح هادف، إلاّ أنّه يحاول أن يعطيه بُعداً فنياً وعمقاً من خلال اعتماده مدارس فنيّة متنوعة. إذ إنّ «نزهة في ميدان المعركة» عبثية، و«قوم يابا» مونودراما، بينما «عرس النصر» مطعّمة بالكوميديا السوداء، غير أنّها تميل أكثر ناحية الفكاهة. لكن الشاب صاحب التجربة اللافتة، وإن كان نجح في جذب جماهير غفيرة في عروض الشارع، يحتاج إلى إيجاد صيغة أقوى لأعماله عند نقلها إلى خشبة المسرح مع أعضاء فرقته «شباب الفن المقاوم».
إلى جانب الفرقة المسرحيّة، يبدو أنّ اسطنبولي يريد أن يتبع في عمله آثار معلّمه شوشو. بالنسبة إليه، شوشو هو أفضل من يمثّل المسرح اللبناني الذي يتناول هموم الناس. وهو مثل معلّمه، يسعى إلى إنشاء جمعيّة تُعنى بالأمور الفنيّة، تنتج أعمالاً تصل إلى معظم المناطق اللبنانية.