يستعيد المخرج الفرنسي جوليان بوفييه نص مارغريت دوراس الشهير، في اقتباس مسرحي، حطّ رحاله على خشبة «مسرح المدينة» أخيراً. قصة الحب التقليديّة باتت حلبة لآلام إنسانيّة وسياسيّة راهنة
سناء الخوري
«المستشفى موجود في هيروشيما»... أوهام الحب والحرب، الماضي والذاكرة، موجودة هناك أيضاً. هكذا تكلّمت مارغريت دوراس في «هيروشيما حبيبتي» (1959). قبل نصف قرن، رتّلت إيمانويل ريفا نص الأديبة الفرنسيّة في شريط ألان رينيه المرجعي الشهير. المفردات الدوراسيّة التصقت ببصمة رينيه السينمائية، لدرجة صارت مقاربة النص منفصلاً مهمة صعبة. المسرحي الفرنسي جوليان بوفييه خاض مغامرة سلخ السيناريو عن جلده. مع فرقته Adesso e sempre، نقل النصّ المثقل بجحيم الآخر وترسبات التاريخ إلى المسرح. على خشبة «مسرح المدينة» (الحمرا ـــــ بيروت) تؤدّي الفرقة الفرنسيّة نسخةً طقوسيّة من «هيروشيما حبيبتي». من قصّة الحب العاصفة، يحتفظ الأداء بعناقات حارّة، من دون مبالغة في الحركة. تدور الممثلة الفرنسيّة فانيسا ليوتاي (بدور «هي»)،

تخفيف النص من سياقه التاريخي، نزع طابع الأسطورة عن المدينة

وزميلها السوري رمزي شقير (بدور «هو»)، في متاهة. يحوم المؤديان حول جدران من كرتون أبيض، تقسم المسرح إلى أروقة. في البداية يستخدم الجدار كشاشة لعرض فيديو صُوّر خلال العام الماضي بين هيروشيما، وبرشلونة، وبيروت. تمرّ أمامنا على الحاجز نفسه صورٌ حيّة تلتقطها مباشرة كاميرات موزعة على المسرح. لاحقاً، يبعثر الممثلان مداميك الجدران، فتصير قبواً، أو سريراً، أو نهراً، أو بقايا مدينة. من خارج المتاهة يتدخل صوت Dimoné كمحرّض في حوار العشيقين. لحّن هذا المغني والمؤلف الموسيقي بعض كلمات دوراس، فصارت خلفية موسيقية صاخبة للعرض.
في مقاربته لـ«هيروشيما حبيبتي»، خفّف بوفييه النص من سياقه التاريخي. ينجز هنا لوحات غير مترابطة، تفجّر فيها الشخصيات كل ما تحمله من رغبة واحتقان أخلاقي وسياسي. عرض ينزع عن هيروشيما طابع الأسطورة، ليجعلها رمزاً لكلّ أرض مثقلة بذنوب الحرب، والحداد، وآثار القنابل. إشكاليات الآخر، والخيانة، والغفران، ستخاطب الجمهور اللبناني بالتأكيد، وربما إلى حدّ التماهي.

8:30 مساء اليوم ــــ «مسرح المدينة» (بيروت). (باللغة الفرنسيّة)


فن ملتزم

أسس جوليان بوفييه فرقة Adesso e sempre عام 1991. في إطار بحثه الدائم عن شبك المسرح مع الواقع، أنجز المسرحي الفرنسي مجموعة أعمال على صلة وثيقة بالتاريخ والسياسة. يرفض بوفييه فصل الطابع الملتزم عن أعماله. «الياباني في «هيروشيما حبيبتي» هو كلّ غريب أو آخر، تتعاطى معه الثقافة الغربيّة كعدو، أو ككائن أقلّ شأناً»، يقول. لهذا، كان بحث الفرقة عن ممثل يؤدي دور «الياباني» تجربة مغايرة، إذ كانت جنسية المؤدي تختلف في كلّ مرة. بدأت عروض «هيروشيما حبيبتي» العام الماضي. العودة إلى نص دوراس، بعد نصف قرن على كتابته، جاءت لما يحتويه من «أسئلة الهويّة، والعلاقة بالآخر، ومزج المغامرات الشخصية بالمغامرات التاريخية العامة، وكلّها أزمات ملحة تواجه الإنسانيّة المعاصرة»، بحسب بوفييه. بالنسبة إليه «هيروشيما» هي الرمز المطلق «لكل ما هو غير إنساني».


الفيلم

كان «هيروشيما حبيبتي» مشروع فيلم وثائقي، وإذا بسيناريو مارغريت دوراس يحفّز ألان رينيه على إنجاز باكورته الروائية. شارك الشريط في «مهرجان كان» عام 1959، لكن خارج المسابقة الرسميّة. خشي المنظّمون حينها إزعاج الأميركيين. صحيح أنّ الفيلم الطليعي لم يحظَ بإجماع النقاد، إلا أنّه كان البيان الرسمي الأول لولادة «الموجة الجديدة». استخدم السينمائي الفرنسي تقنية الـ«فلاش باك» بكثافة، وجعل لغة السينما لصيقة بالاندفاعات النفسية لأبطاله.
نحن في هيروشيما بعد 14عاماً على نكبتها النووية. ممثلة فرنسية تزور المدينة لتصوير فيلم عن السلام، فتقع في حب معماري ياباني. نتتبّع تطوّر العلاقة «العابرة» على شكل حوارات متقطعة، يحضر فيها ماضي المرأة، وحبها لجندي ألماني خلال الحرب العالمية الثانية، في مكاشفة أليمة ونازفة.