بيار أبي صعبوأخيراً جاء الموعد الذي ينتظره الآلاف. فيروز ستقف على الخشبة كما تخيّلناها دائماً، كأنما لتعانقنا جميعاً: الذين جاؤوا، والذين لم يتمكنوا من المجيء. السيّدة كعادتها تحمل إلينا «الأمل»، عند منعطف جديد من تلك المنعطفات الصعبة التي لا تنفكّ تترصّدنا في لبنان والمنطقة. اليوم أكثر من أي وقت مضى، تبدو أمسية فيروز حدثاً وطنياً بامتياز. لأننا خفنا ربّما، لوهلة، أن تنجح محاولات إسكاتها التي ضجّ بها الإعلام خلال الأشهر الأخيرة. لأن البشاعة تحاصر وطن العسل والبخور من كل حدب وصوب. لأن الوقت يطاردنا جميعاً، وقد نصحو ذات صباح على بلد آخر لا يشبه ذاك الذي منحته فيروز نفسها، وحملته إلى العالم. ها نحن إذاً، كالعادة، نتشبّث بصوتها القادر على انتشالنا من الراهن الآسن. صوتها العابر للزمن، حامل ندوبه وأوهامه.
نتذكّر تلك الليلة المقمرة في بيت الدين ذات صيف، حين انسحبت الأوركسترا ولم يبقَ على المسرح إلّاها. وحده قبالتها، في الطرف الآخر، زياد على البيانو: «شو بدّي دور/ لشو عم دور/ على غيرو؟...». هذه اللحظات نؤرّخ بها أعمارنا. ترى ماذا ستغنّي الليلة؟ ما المفاجآت التي تحملها إلينا من مختلف «حيواتها» السابقة؟ ما نصيب الرحابنة من البرنامج؟ وما نصيب الآخرين؟ كم أغنية سنسمع من الأسطوانة الجديدة؟ من سيقود الأوركسترا؟ الأسرار محفوظة بعناية حتى اللحظة الأخيرة. أما زياد، فبصماته تدلّ عليه إن لم يشارك شخصيّاً. الابن الرهيب للمؤسسة الرحبانيّة، لا يمكن طيفه إلا أن يخيّم على الاحتفال.
نذهب للقاء فيروز كي نطمئن إلى أن الأشياء الجميلة ما زالت ممكنة. لا بدّ أن في العالم ركناً صغيراً من الصفاء والسكينة، يتّسع لنا. الليلة موعدنا مع الطمأنينة.