منذ منتصف التسعينيات ورئيس التحرير المشاغب محاصر من النظام. حوكم مرات عدة، وحوصرت صحيفته المستقلة مراراً، إلى أن صدر القرار بإبعاده عن الجريدة التي صنع شهرتها
ليال حداد
خلال السنوات الخمس الأخيرة، كان اسم إبراهيم عيسى (1965) وحده كفيلاً بإثارة غضب النظام وحرّاسه. لم تكن قرارات محاكمته تارة، وسجنه طوراً، سوى دليل على حجم التأثير الذي يمتلكه رئيس تحرير «الدستور» على الرأي العام المصري. في 1995، صدرت «الدستور» للمرة الأولى وفاجأت الجميع بتجربتها الرائدة والمستقلة. تمكّنت بفضل رئيس تحريرها الثلاثيني آنذاك إبراهيم عيسى من الخروج من التصنيفات الجاهزة للصحف المصرية، وخلقت خطاً ثالثاً بعيداً عن الجرائد الحكومية وتلك الحزبية.
لم يكتب لهذه التجربة أن تستمرّ طويلاً، إذ صدر قرار قضائي بوقفها في 1998. مرّت سبع سنوات قبل أن تبصر الطبعة الجديدة من «الدستور» النور مجدداً. في عام 2005 عادت بنسخة أسبوعية، وعاد إبراهيم عيسى إلى الضوء. ومع اتساع جمهور الصحيفة، حُوّلت إلى يومية عام 2007. لكنّ التجربة لم تمرّ على خير. بدأ التضييق على الجريدة وعلى عيسى إلى أن صدر قرار عام 2008 بسجنه شهرَين في القضية الشهيرة التي عرفت باسم قضية «صحة الرئيس (حسني مبارك)». وبعد ردود فعل قوية في الشارعَين المصري والعربي، أصدر مبارك عفواً عن الإعلامي المعروف. لكنّ تجربة عيسى مع القضاء لم تقتصر على 2008، إذ سيق إلى المحاكمة عام 2007، مع ثلاثة صحافيين هم وائل الإبراشي وعبد الحليم قنديل وعادل حمودة بتهمة الإساءة إلى النظام.
استمرّ التعاطي مع «الدستور» على هذا المنوال، فتواصلت ملاحقة صحافييها، والتضييق على رئيس تحريرها الذي أصرّ على عدم الالتزام بالخطوط الحمر. إلا أن الخبر المفاجئ صدر في أواخر آب (أغسطس) الماضي. يومها، أعلن أنّ رئيس حزب «الوفد» «المعارض» السيد البدوي اشترى الصحيفة. وما إن انتشر الخبر حتى ارتسمت علامات الاستفهام: هل ستحافظ الصحيفة على استقلاليتها؟ هل سيبقى الخطّ التحريري نفسه؟ ماذا عن إبراهيم عيسى؟ هل سيقبل الصحافي المشاغب العمل تحت سقف مؤسسة يملكها رجل حزبي؟ لذا، أمل البعض خيراً حين خرج نائب رئيس مجلس الإدارة السابق، أحمد عصام فهمي، ليعلن أنّ الهيكل التحريري لـ«الدستور» لن يتغيّر، في إشارة إلى إصرار الإدارة الجديدة على الحفاظ على الخط التحريري للجريدة. لكن يبدو أن ما قيل في العلن كان بعيداً عمّا يجري داخل أروقة الصحيفة، إذ فوجئ الجميع بخبر إقالة

قال البدوي إن قرار إقالة عيسى سببه الفساد الإداري لا مقالة البرادعي

إبراهيم عيسى ليل الاثنين بحجة «إصراره على نشر مقالة لمحمد البرادعي تتناول ذكرى حرب أكتوبر». كانت الحجة لتنطلي على كثيرين لولا التصريحات النارية التي أدلى بها عيسى أمس على «الجزيرة». لم يتردّد الرجل الأربعيني في الحديث عن «صفقة» تحاك ضدّه وضدّ خط «الدستور» المستقل. وأشار إلى أن الهدف «ضرب السياسة التحريرية المعارضة... فالمطلوب اليوم هو الأحزاب (المعارضة) الأليفة والناعمة التي تشارك في مسرحية مع النظام». طبعاً كان حديث عيسى موجّهاً إلى حزب «الوفد» الذي يعرّف عن نفسه بوصفه حزباً معارضاً للنظام. وعكس ما أشيع، كشف عيسى أنه أقيل من «أون تي في» بسبب ضغوط كبيرة مورست على المحطة.
وفي ظلّ الضجة التي رافقت إقالة الصحافي المخضرم، عقد السيد البدوي مؤتمراً صحافياً، أمس، حاول من خلاله تهدئة الخواطر. هكذا أعلن أنّه استقال من رئاسة مجلس إدارة الصحيفة، وأنّه لم يبلّغ عيسى كتابياً قرار الإقالة. والأغرب أنّه قال إن عدد الصحيفة الذي سيصدر غداً (اليوم) سيحمل توقيع عيسى رئيساً للتحرير، رغم أن هذا الأخير قال إنّه لا يتحمّل مسؤولية العدد. وفي اتهام مستغرب، قال البدوي إن سبب إقالة عيسى هو «الفساد الإداري... القرار اقتصادي، ومقالة إبراهيم عيسى ستُنشر في «الدستور» بحجمها نفسه ومن دون المساس بالمزايا المادية والعينية...».
وكان صحافيّو «الدستور» قد أصدروا بياناً أمس أعلنوا فيه «تمسكهم بإبراهيم عيسى رئيساً لتحرير «الدستور»، وبالسياسة التحريرية للجريدة، وعدم اعتدادهم بأي إصدار آخر يحمل اسم «الدستور» يكون من دون رئاسة عيسى له، ومن دون مشاركة أبناء الجريدة الأصليين في تحريره، حيث ستصبح «الدستور» وقتها بلا لون أو طعم أو رائحة».