طيف عبد الله العلايلي في «مركز بيروت للفنّ»

طوني شكر مشغول بـ«العناصر الجانبية» للعمارة، وقد ابتكر مشروعاً يتّسع لأسئلته، من المبكر أن نحكم على تماسكه ونضجه. لنكتف إذاً بالبرنامج الذي ينظمه المعمار الشاب في بيروت ابتداءً من اليوم، ويتّسع للفنون البصريّة والفلسفة واللغة... لكن ماذا يفعل العلامة اللبناني الراحل هنا؟ الجواب في الـBAC طوال الشهر الحالي

جاد نصر الله
يرى طوني شكر أنّ للعمارة عناصر جانبية «لكنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بها» كاللغة والفلسفة والصورة والسينما... من خلال تنظيمه برنامج «سكن (سَ كَ نَ)»، سيحاول المعمار اللبناني الشاب تسليط الضوء على العناصر الجانبيّة التي تدخل في صلب حركة البناء. وسيذهب النقاش إلى كيفيّة تجسيد هذه العناصر على الخرائط الهندسيّة، وأزمة المعنى في العمارة، أي علاقة دور الإنسان بالمكان ومحيطه والكون. لكنّ مراعاة هذه العناصر تتطلّب دراسة عميقة لعمليّة البناء من قبل المهندس، وهو الأمر الذي يعدّه شكر غائباً اليوم، بسبب طغيان العنصر المادي على العمليّة.
برنامج «سكن (سَ كَ نَ)» الذي ينطلق اليوم في «مركز بيروت للفن» ويستمرّ حتى 27 ت1(أكتوبر) الحالي، يحيل على منهج الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه «مقدمة لدرس لغة العرب وكيف نضع المعجم الجديد» (1938 ـــــ أعادت «دار الجديد» إصداره عام 1997). في مؤلفه المرجعي، حاول العلامة اللبناني الراحل إعادة درس اللغة العربية عبر إعطاء كل حرفٍ في الأبجدية معنى محدَّداً: «حرف السين يدلُّ على السَّعة والبَسْطَةِ والتسطيح، وحرف الكاف يدلُّ على الشيء الذي ينتج عن الشيء في احتكاك (أي الناتج عن احتكاك). أما حرف النون، فيدلُّ على البُطونِ في الشيء أو على تمكُّن المعنى تمكُّناً تظهر أعراضُه».
برأي شكر، فإنّ تركيب هذه الأحرف لا يشير إلى فعل السكن نفسه «بل إلى شروطه المسبقة؛ من إعداد الأرض وشغل مواد البناء. هذه المعرفة الأساسيّة بل السلفيّة الواردة في اللغة تُخالِف الفهم الشائع للعمارَة اليوم كنشاطٍ بالغ التخصّص ذاتيّ المرجعيّة يشير دائماً إلى وسطه، مجرّداً من الأطراف»، فكيف يشير تركيب هذه الأحرف الى إعداد الأرض وشغل مواد البناء؟ لمعرفة ذلك، ولإزالة الاستغراب عن علاقة منهج الشيخ العلايلي بالعمارة وأنثربولوجيا السكن من وجهة نظر شكر، ليس علينا سوى سماع وجهات نظر متخصصين سيشاركون في لقاءات «سكن (سَ كَ نَ)».
يبدأ البرنامج اليوم مع معماريي الجامعة الأميركية في بيروت منى حرب، ومنى فواز وأحمد غربية الذين سيناقشون موضوعة قديمة ـــــ جديدة بعنوان «بيروت: خريطة أمنية»، علماً بأنّ هذه المسألة نوقشت الشتاء الماضي في الجامعة الأميركيّة، ضمن فعاليات «مناظرات الحاضرة» التي تناولت تيمة الأمن. تبحث الورقة في ظاهرة تجزئة المدن في العالم، والكيفية التي تحصل فيها هذه التجزئة ضمن سياقات جغرافية مختلفة. تركِّز المحاضرات على الهاجس المتنامي للحماية والأمن الذاتيين، وكيف يرسّخ ذلك لدى الجماعات «عقليّة الحصون». هذه العقلية تُترجَم في نهاية المطاف بـ«هندسة» الخوف و«المناطق المحظورة»، أو «الجيوب المحصنة» وطبعاً الغيتوات.

منى حرب ومنى فواز وأحمد غربية يناقشون اليوم موضوعة «بيروت: خريطة أمنية»
حلقة نقاش أخرى لا تقل أهمية تحمل عنوان «حول أزمة المعنى في العمارة» (27/10). يشارك فيها المعمار يوسف طعمة الذي عمل طويلاً في تطوير المشاريع في محترف جان نوفل، ويوسف حوراني المعمار الشاب الحائز شهادتين في الفلسفة وعلوم الموسيقى، إضافة إلى مشاركة جوزف رستم الناشط في حقل الحفاظ على الإرث الثقافي والعمراني اللبناني. سيناقش المحاضرون دور العمارة اليوم، وأهداف المعمار ونظرته إلى العمارة. هل يتوقف الدور على تصميم أبنية تجسّد دوراً وظائفياً بحتاً؟ أم هي تعبّر عن فكر حقيقي ومساهمة في تشكيل المشهد الفكري؟ كذلك يركّزون على أهمية طرح هذا السؤال في لبنان ما بعد الحرب. مشاركة أخرى أدبية بعنوان «حول المكان في روايات حسن داوود» (20/10) مع الروائي اللبناني الذي يحتلّ الفضاء موقع الصدارة في العديد من إنتاجاته الروائية، كمعلم أساسي يحدد الأحداث ويرسم الشخصيات.
أما طوني شكر، فسيعيد شرح نظريته عن «اليوم الثامن» (13/ 10) التي قدمها سابقاً ضمن برنامج «أشغال داخلية» (راجع «الأخبار» عدد 18 نيسان/ أبريل 2008). سيحكي عن الهواجس التي سكنته بعد عدوان تموز 2006، والرصد الذي قام ويقوم به لتصحيح الخلل القائم في مرحلة ما بعد الحرب. وقد تجسَّدَ بالنسبة إليه في مشروع إعادة إعمار ضاحية بيروت الجنوبية التي تولّتها شركة «وعد».
الهمّ الذي يحمله طوني شكر، يسخّر له جهداً شخصياً أثمر تجميعاً لندوات وورش عمل، لا يربط بينها الشيء الكثير: كل منها يحمل مضموناً مختلفاً، ويطرح إشكاليات لا رابط بينها... وحتّى منهج الشيخ عبد الله العلايلي عن الأحرف لا يقرّب بعضها إلى بعض. الورقة المقدمة من الجامعة الأميركية في بيروت ستناقش الأمن في المدينة، وحسن داوود الفضاء في المكان، ومجموعة معماريين يدرسون وظيفة العمارة والمعمار.... لكن يبقى السؤال: من سيطرح موضوع الـ«سَ كَ نَ»؟!


من 6 حتى 27 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي ـــــ «مركز بيروت للفن» (بيروت). للاستعلام: 01/397018
www.beirutartcenter.org