يوم نزل الفنّ إلى شوارع عمّانعبد الله كرّوم لينظّم مع «دارة الفنون» حدثاً فنياً خاصاً. «عبارات على الضفاف وأنشطة أخرى» معرض جماعي حيّ، يطرح سؤال الهويّة والمكان في مدينة ملتبسة اسمها عمّان
عمان ــ أحمد الزعتري
نحتاج إلى إحاطة أنفسنا بغرافيتي على الجدران على رأي إدواردو غاليانو، ولعل منى حاطوم ستساعدنا في ذلك. الفنانة الفلسطينيّة العالميّة التي تعرض عملهيا «شاهد» (بورسلين، 2009)، هي أحد الفنانين المشاركين حالياً في معرض فني حيّ بعنوان «عبارات على الضفاف وأنشطة أخرى» تحتضنه «دارة الفنون»، وينظمه الفنان المغربي عبد الله كرّوم.
في الواقع، يسعى المشروع إلى إخراج الفن من جدران المعارض إلى الشارع. عدا المعرض الفني الذي تحتضنه «دارة الدارة»، هناك فعاليات تتوزّع على جبال عمّان، مع التركيز على الجانب الشرقيّ منها، ببؤسه وفوضويّته.
ولعلّ الفوضويّة هي الكلمة الدقيقة لوصف مشروع من هذا النوع، إذ يعمل عدد كبير من الفنانين، من بلدان وخلفيات متنوعة، على التواصل مع المدينة عبر نتاجهم الفني. هكذا، تتحوّل الدارة، على مدى ثلاثة أشهر، إلى مكان لإرسال الإشارات واستقبالها. الجنوب أفريقي جيمس ويب مثلاً، يبثّ من على الجدران الخارجية للدارة عبارة «هناك ضوء لا ينطفئ»، المقتبسة من عنوان أغنية للفرقة البريطانيّة The Smiths. أما المصري حميد عطيّة، فيقدّم رؤيته لخريطة الضفة الغربيّة التي تحوّلت إلى جزر مع 196 نقطة تفتيش إسرائيليّة. هذا إضافة إلى أعمال فيديو لكل من إيتو برادة (المغرب)، وأنطوني مندس (برشلونة/ نيويورك)، وتجهيز لنينار إسبر (لبنان)...
الجانب المثير، بل «الثوريّ»، في المعرض الحيّ، هو المشاريع الخارجيّة. المخرجة سمر دودين تعمل على إعادة الهويّة إلى المكان من خلال سكانه. في جبل اللويبدة، تحيي دودين رواية «جمعة القفاري» للكاتب الراحل مؤنس الرزّاز، عبر التنقل بين منزل طفولته ومدرسته ومقهاه المفضّل، مع نشر الرواية على شكل بوسترات، وقراءات عامة لبعض أجزائها.
الفنان الأردني هاني علقم يعود إلى الوديان المحيطة بمنزل طفولته في جبل النصر، ليلاحق راعية الغنم «الحجة صبحة» التي كان يبادلها الحليب بالخبز. أما زميله رائد إبراهيم، فيتوصّل إلى رسم خريطة جديدة لعمّان توضّحت معالمها بعد لقاء 40 شخصية وسؤالهم عن أماكنهم المفضّلة. والنتيجة: خريطة لأماكن وقوف بائعات الهوى، الأماكن التي يُحتمل تعرضها للتفجير، ومنزل الفدائي «أبو الفداء» وغيرها.

حميد عطيّة يقدّم خريطة للضفة مع 196 نقطة تفتيش إسرائيليّة
لكن ربما يجدر بنا التساؤل عن هذا الهمّ الذي شُغل به، على مدار ثلاثة أشهر، عبد الله كرّوم الذي أطلق في الدار البيضاء فضاءً مميّزاً للفنون المعاصرة اسمه «الشقة 22» appartement22. ورغم أنّه عمل قبلاً على مشاريع مماثلة في كوريا والمغرب، إلا أنّ التورّط في مدينة ملتبسة مثل عمّان قد يوقعه في السطحيّة. في حديثه إلى «الأخبار»، يقول كرّوم: «كانت لدي فكرة أن عمّان مدينة مشغولة بالأحداث التي تقع في المناطق الساخنة حولها، لكنني أهتم دوماً بالفن الذي يعالج قضايا المجتمع». وبعد مجيئه إلى عمّان، لاحظ كرّوم أن جبال الحجر التي تحيط بها قد أفرغت لتبنى بها المدينة. والاستنتاج الذي يصل إليه أن «عمّان مثّّلت دوماً نواة لحضارات وأفرغت منها»، مشبّهاً دوره في المشروع بدور لورنس العرب في إعادة اكتشاف المكان.
ينزع عبد الله كرّوم (1970) إلى الابتعاد عمّا سمّاه العمل «الفرجوي» أو الاستعراضي، لأنه يعتقد بأنه «لا مجال للفرجة في وقت يُشغل فيه المجتمع بقضايا أكبر». هنا يقف كرّوم ضد إبقاء الفن في المتاحف: «كان الفن دائماً في الشارع. المعلقات مثلاً كانت تنشر على جدار الكعبة، الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم على الحجارة، إلى أن جاءت النهضة الأوروبيّة لتجمع الأعمال بين جدران. نحن كعرب أخذنا هذه الفكرة عن الآخرين وبنينا مسارح ومعارض لتكون رموزاً للدولة. الفن لا يحتاج إلى متاحف، التراث هو من يحتاج إليها».


حتى 28 شباط (فبراير) ــــ «دارة الفنون»، عمان. للاستعلام: 0096264643251
www.daratalfunun.org


«الشقة 22» في الدار البيضاء (المغرب): 0021263598288
www.appartement22.com

لقد تم تعديل هذا المقال عن نسخته الأصلية يوم الجمعة ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٠