القاهرة ــ محمد شعير«لا أريد أن أكرّر مأساة نصر حامد أبو زيد». هكذا تحدث الدكتور حسن حنفي (1935) عندما طلبنا منه حواراً لـ«الأخبار» لمناسبة زيارته البيروتية. أضاف: «أنا بعيد عن الإعلام حتى لا تفلت كلمة من هنا ويجري تكبيرها وتضخيمها، وأجد نفسي متهماً».
هذا أحد مبادئ صاحب «التراث والتجديد»: التخفي. فقد وجد نفسه أكثر من مرة عرضةً لاتهامات عدة لم تلبث أن تلاشت. هو يرى أن مناقشات الفلاسفة والأفكار الكبرى ليست حقاً للجمهور العادي، ولا ينبغي أن تخرج عن قاعات المحاضرات. هو مؤمن بأنّ الزمن كفيل بأن ينشر أفكارك لو كانت ذات قيمة. طريقته في مواجهة الأصولية هي طريقة حرب العصابات: ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة، ثم تنفجر وقتما تنفجر. ليس مهماً الوقت بل تغيير الواقع. إذ إنّنا نقاوم «1000 عام من التخلف»، كما قال ذات مرة في ندوة «الجمعية الفلسفية» التي يرأسها منذ سنوات.
في تلك الندوة، وصف نفسه بالمفكر «الزئبقي» الذي يصعب تصنيفه. إذ إنّ الجماعات الإسلامية تراه ماركسياً، والشيوعيون يرونه أصولياً، والحكومة تتعامل معه على أنه شيوعي إخواني. وأفكاره أيضاً تحتمل هذا النوع من الالتباس. هو صاحب فكرة «اليسار الإسلامي» التي «حاول فيها أن يجمع بين شرعيتين: شرعية الماضي وشرعية الحاضر، شرعية التراث، وشرعية الثورة» على حد قوله. وقد وجدت هذه الصياغة صدى كبيراً في الثمانينيات من القرن المنصرم. لكن الكثير من النقاد رأوها محاولةً توفيقية، لم تلبث أن تلاشت. إذ لا يمكن التصالح بين متناقضات كما فعلت سلطات ما بعد التحرر الوطني التي حاولت المصالحة بين الاشتراكية والإسلام لأسباب سياسية.
حسن حنفي ظل مخلصاً لمشروعه الفكري. حاول أن يفكك آليات النقل في كتب التراث العربية في عمله «من النقل إلى الإبداع»، ثم كان كتابه الشهير «مقدّمة في علم الاستغراب» الذي أكد فيه ضرورة أن نخضع الغرب للدراسة من منظور «الذات» مثلما أخضعَنا الغرب للدراسة من منظوره هو، بوصفه يمثّل «الآخر».
وعلى الرغم من إيمانه بضرورة مناقشة قضايا الفلسفة ودرسها في «الحجرات المغلفة»، إلا أنّه يؤمن بأنّ أي مشروع نهضة عربي لا يمكن أن ينهض إلا بالجماهير. مشروع النهضة العربي سيفشل حتماً لأن «الضباط الأحرار» لم يهتموا بأن يكون المفكرون أحراراً... وتلك هي الأزمة الحقيقية!