سناء الخوري «لماذا يتقيَّؤنا معاصرونا؟»، سأل ميشال ويلبيك وبرنار هنري ليفي، في مطلع كتابهما المشترك «أعداء الرأي العام» (2008). صفات مشتركة كثيرة تجمع ويلبيك وليفي، أبرزها نرجسيتهما، وقدرتهما على إثارة ردود فعل هستيريّة في الإعلام... أضف إلى ذلك قدرتهما على السفسطة وإلباس أكثر الأفكار محافظةً وعنصريّةً، ثوباً «حضارياً». ما زلنا نذكر تصريحات ويلبيك الذي يرى أن «الإسلام أغبى الأديان على الإطلاق»، فضلاً عما كتبه هنا أو صرّح به هناك من مواقف عنصريّة ورجعيّة مقلقة. لكنّ «الأكاديميّة الفرنسيّة» تجاوزت كل ذلك يوم أمس، ومنحته «جائزة غونكور» التي انتظرها طويلاً. فازت روايته «الخريطة والتراب الإقليمي» (فلاماريون) بسبعة أصوات مقابل صوتين لصالح منافسته فرجيني ديبانت التي اكتفت بجائزة «رونودو» عن روايتها Apocalypse Bébé (غراسيه).
لم يفاجأ أحد بفوز هذا الكاتب ـــــ الظاهرة، بالجائزة الأدبية الأعرق في فرنسا التي يطرق أبوابها للمرّة الرابعة. فالرواية أطلقت خلال أيلول/ سبتمبر الماضي، وسط حملة إعلاميّة ضخمة، وإذا بصور الروائي والسينمائي الخمسيني في كلّ مكان. وسرعان ما وجّهت إلى صاحب «احتمال جزيرة» و«المنصّة» و«الجزئيات الأوليّة» تهمة السرقة الأدبيّة، بسبب سطوه على مقاطع من «ويكيبيديا»، لكن ذلك لم يمنع منشورات «فلاماريون» من

باعت «الخريطة والتراب الإقليمي» 200 ألف نسخة قبل فوزها بالجائزة

التلذّذ ببعض أجمل أيامها، وهي تحصي أرقام مبيعات الرواية. قبل إعلان نتائج الـ«غونكور»، كانت «الخريطة...» قد باعت 200 ألف نسخة. حتى «مؤتمر أساقفة فرنسا»، وجد في العمل أفكاراً قريبة من العقيدة الكاثوليكيّة، في مسألة الموت الرحيم الذي يراه البطل «تدهوراً للحضارة».
هذا البطل، جيد مارتين، هو فنان معاصر. يعالج الكاتب بأسلوبه التهكميّ المعهود الذي لا يخلو من فظاظة، مسائل الحب والموت والمال. في حبكة تعتمد تقنيّة المتاهة، يحكي ضياع الفرد تحت وطأة الأزمنة ما بعد الحديثة. لكنّ موضوعه الرئيسي يبقى الفنّ المعاصر. منذ السطور الأولى، نشهد لقاء عملاقين في سوق الـContemporary، هما جف كونز ودميان هيرست. هناك شخصية محوريّة أخرى: «ميشال ويلبيك» الموكل بكتابة كاتالوغ معرض جيد مارتين! كلّ عوامل التشويق متوافرة لإتاحة تسويق ناجح للكتاب. لكن «غونكور» كانت تستحقّ أكثر من ذلك!