زمن السينما المصريّة المستقلّة محمد خير
هذه المرة أيضاً، بدأ المخرج أحمد عبد الله رحلته من بعيد، من مهرجان «تورنتو» الكندي الذي عرض «ميكروفون» ثاني أفلام المخرج الشاب ضمن مسابقته الرسمية. كان المهرجان نفسه قد اختار العام الماضي باكورة المخرج «هليوبوليس»، لكن الفيلم انسحب بسبب تكريم المهرجان لمدينة تل أبيب. هذه المرة، شهدت الصالات الكندية عرض «ميكروفون» من دون عوائق، تمهيداً لرحلة مهرجانية طويلة لم يتوقع أصحابها أن تثمر بهذه السرعة. إذ فاز الفيلم المستقل بجائزة «التانيت الذهبي» في مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» الذي لم يمنح ذهبيته لفيلم مصري من قبل. لم يتوج في قرطاج سوى يوسف شاهين عن مجمل أعماله عام 1970. وبعد عامين، حصد توفيق صالح الجائزة الكبرى، لكن عن فيلمه «المخدوعون» (إنتاج سوري).
لم يفز عبد الله إذاً بالجائزة لنفسه، أو للسينما المصرية فحسب، بل أيضاً للسينما المستقلة التي أصبحت في حاجة إلى ضبط تعريفاتها. وقد تزامن الاحتفاء التونسي بـ«ميكروفون» مع فوز فيلم مستقل آخر من مصر، هو فيلم «حاوي» للمخرج إبراهيم البطوط، بـ«جائزة أفضل فيلم عربي» في الدورة الثانية من «مهرجان الدوحة ـــــ ترايبيكا السينمائي».
بين الجوائز والتقدير النقدي ـــــ والغياب الجماهيري ـــــ تطرح السينما المستقلة أسئلة جديدة في استوديوات هوليوود الشرق، ما يتطلب سرعةً في تدوين الملاحظات بخصوصها. منها مثلاً أن الأغنية الرئيسية لفيلم حاوي تؤديها فرقة موسيقية مستقلة هي «مسار إجباري»، وهي الفرقة التي تمثّل جزءاً رئيسياً من أحداث فيلم «ميكروفون». لا يمكن الاستعانة بالمصادفة كتفسير، تماماً كما لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ السينما المصرية تعود للجوائز من خلال أفلام تحرر أصحابها من قيود «السوق». لا يمكن اختصار ذلك التحرر في الطموح الفني وحده، بل في الإمكانات التقنية قبل كل شيء. إمكانات حديثة سمحت للمخرج أحمد عبد الله بتصوير فيلمه كاملاً بكاميرا «كانون دي 7»، وهي كاميرا صغيرة الحجم منخفضة الكلفة، وتسمح في الوقت عينه بتقديم صورة عالية الجودة، بدليل مطابقتها للشروط المهرجانية بل انتزاع الجوائز. كذلك، فإن للجهود الفردية مكانها الأساسي. إذ يشارك خالد أبو النجا بطل الفيلم في إنتاجه، بالاشتراك مع سينمائي آخر هو السيناريست محمد حفظي من خلال شركته «كلينيك».

يشارك يسري نصر الله في الفيلم بدوره الحقيقي

يحمل عبد الله إذاً هموم الفن المستقل وآماله، لكنه يختار الموسيقى موضوعاً لفيلم «ميكروفون». يعود مع بطله خالد خالد أبو النجا إلى الإسكندرية، حيث يمارس الموسيقيون الشبان أحلامهم عروضاً في الهواء الطلق من دون رعاية إنتاجية. تمتلئ أزقة المدينة بالموهوبين. لكن خالد لم يعرف ذلك بعد. عاد إلى مدينته بعد سنوات غربة طويلة ليجد عالمه ـــــ القديم ـــــ مهدّماً. رحلت الأم وانزوى الأب، أما حبيبته هدير (منة شلبي) فتجهز أوراقها للهجرة. في تجواله المحبط، يتعرف خالد إلى إسكندرية أخرى مختبئة فوق أسطح العمارات وجدران الكاراجات ونواصي الشوارع. شبان صغار السن وجدوا أنفسهم في أنغام موسيقى كوزموبوليتية تخلط الكلمات العربية بالروك والراب والهيب هوب، أو حتى تقدم اللحن الشرقي بالآلات الغربية. بين فرق «مسار إجباري»، و«صوت في الزحمة»، و«ماسكرا» و«آي كرو»، تختلف الأنماط وتتفاوت المواهب وتتنوع طرق التعبير، ويجمعها غياب «الميكروفون». يحاول خالد أن يجد لنفسه دوراً في مساعدتهم من خلال المؤسسة التنموية «جدران» (مؤسسة حقيقية)، ويلتقي في رحلته كلاً من مجدي (أحمد مجدي) وسلمى (يسرا اللوزي)، وهما شابان يصوران فيلماً تسجيلياً عن الفرق المستقلة، بإشراف أستاذ السينما (يسري نصر الله في دوره الحقيقي). أستاذ يلقي محاضراته في مؤسسة (واقعية) أخرى هي «مركز الجيزويت». هل يصنع خالد الفارق مع الفنانين الباحثين عن ميكروفون؟ هذا ما يحكيه الفيلم الذي سيبدأ بعد ذلك في البحث عن شاشة للعرض في «السوق».

تم تعديل المقال عن نستخته الأصلية في ٨ تشرين الأول ٢٠١٠