تصميم
جئتك، يا باريس، في آخر الشتاء
مستسلماً للنفي والهزيمه
في رحلة عمياء،
مستنقعاً يغصّ بالوحول
ينذر بالغياب والجريمه،
لكنني عزمت أن أغوص في لهيب حوضك السريّ
كفارس مقتول
أغرق في عذابك الوحشي.
(باريس، 1963)

معرفة

... وفجأة ينتحر
يدرك أن الموت
خديعة كبرى،
أن الصدى
خيانة للصوت
(باريس 1965)

ضحايا

كان مثلي شاعراً يصطاد ظلّه
ثم أدركنا معاً أن السراب
كان في أشعارنا الحيرى مظلّه
لسؤال ساذج بلا جواب.
أننا كنّا ضحايا
في صحارى الاغتراب.

مغامرة

أثقب جلد العالم المريض
أدخل في جرثومة الأشياء
أزوّج السكون للضوضاء
أولد في قرارة الحضيض.

تشي

أيّها السيّد، كنا ننحني
لسياط اللذّة المستعجله
نحن أطفال السنين الموحله
لم يعلمنا أب أن نستقيم.
لم يعلمنا نبي واحد أن نشتهي
... باب الجحيم.

بقاء
(إلى محمد بوضيا *)

مرّ الكلام هنا، هنا
مرّ الكلام على ضفافك وانحنى
يا نهر، يا نهر الدموع
يا نهر، يا نهر الفرح
أدركت أنك راحل نحو المحيط بلا رجوع
كيما تعود مع الغيوم إلى الجبال
مطراً وأقواس قزح،
أدركت أنك راحل لما أتيت
من جرح ليل الراكضين إلى الصباح، وفي الصباح
لما هويت
في كل قبضة ثائر
في كلّ دفتر شاعر
في كل بيت
خلفت قلبا خافقاً نحو الكفاح

ها أنت تسكن في الجراح
ها أنت تطلع من ينابيع الرياح
الأرض تدرك أن صوتك لن يموت
الشعب يعلم أن صرختك المضيئة في الجبال
هزّت جذوع النوم في جسد الرمال
هزمت مؤامرة السكوت.
سقطت قنابلهم سدى
سقطت على أطراف جرحك كالندى
بقيت لهم أشلاء جثتك الرقيقه
شرراً يمد على ضمائرنا حريقه.

* مناضل ومثقف جزائري اغتالته الاستخبارات الاسرائيليّة في باريس صيف 1973

صعود

صعد الموت إليّ
بثياب الفقهاء
فتسلّقت يدي
وتسللت إلى جوف السماء
فوجدت الله يبكي في انتظاري
وعلى ركبته، كان النبي
حاملاً مسبحة بيضاء من دمعي ودمع الشعراء

سَفر

كأنها القبّعات
وحيدة، تسير في شوارع المطر
بلا رؤوس؛
كأنها الحياة
تنوء تحت وطأة الخطر
تهم بالجلوس
في مقعد السفر.
(1971)

الوداع

أيها الشعر، وداعاً
انتهت رحلتنا
بين أدغال الكلام
وبساتين الجسد.
إن في أعماقنا جرحاً ينام
حان أن نوقظه
حان أن يوقظنا
من أراجيح الأبد
نحن أجيال النيام
نحن شعب الكلمات المشرقه
والعيون الشبقه.
السراديب التي نسكنها
السراديب التي تسكننا
آن أن نهدمها
آن أن نرسمها
في كتاب الذكريات
شاهداً ومرّ ومات.

أيها الشعر، وداعاً
انتهى عصر الكلام المخملي
وانتهى عهد السلام
بين جرحي والضماده
بين رأسي والوساده،
إننا ندخل عصراً همجيّاً
طارحاً جمجمة الشعر العتيقه
بين أنقاض المعاهد
والمقاهي والملاهي والنوادي والمعابد
وبيوت الشعراء الحالمين
إنه عصر الحقيقه
إنّه عصر اليقين
كل شعر ضلّه، ضلّ طريقه.

أيها الشعر وداعاً
انتهت غربتنا
في تجاويف الرموز المقفله
فلنخلف للرياح
لعصور أقبلت، أو مقبله
كل أشعار النواح
ودواوين الضجر
ولنمزّق في الصباح
راية الحزن القديمه
وجوازات السفر.

أيها الشعر، وداعاً
انتهت رحلتنا
وامّحى من خلفنا من خلفنا وجه الطريق
إننا ندخل تاريخ الحريق
وجحيم اليقظة المشتعله
حيثما الحرف سلاح
خنجر أو قنبله.
أيّها الشعر، سلاماً
أيّها الشعر الصديق
بدأت رحلتنا.


قصائد من مجموعة «وداعاً أيّها الشعر» التي صدرت بعد رحيله (بيروت، 1982)