تلقّت الإدارة الأميركيّة صفعة أمس قبيل انعقاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. أطلّ جوليان أسانج على الصحافة متحدثاً عن الضغوط الكبيرة التي يتعرّض لها متطوّعو الموقع
جنيف ــ بسام القنطار
نظّارة رايبن وتغيير في لون الشعر. مظهر جديد قدّمه أمس جوليان أسانج في نادي الصحافة في جنيف. الرجل المتنقّل من بلد إلى آخر، الذي بات اسمه حاضراً بقوة بعد نشره آلاف الملفات عن حروب أميركا في العراق وأفغانستان، اختار «التوقيت القاتل» للولايات المتحدة. قبل ساعات من افتتاح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جلسة الاستعراض الدوري لحالة حقوق الإنسان في أميركا للمرة الأولى في تاريخها، لبّى مؤسس موقع «ويكيليكس» الشهير، دعوة منظمة غير حكومية مغمورة في جنيف، هي «المعهد الدولي للسلام والعدالة وحقوق الإنسان»، للتحدث أمام مئات وسائل الإعلام عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تمارسها الولايات المتحدة.
لا يبدو الرجل غريب الأطوار، كما تشيع بعض وسائل الإعلام. تحدّث بثقة عالية فيما وقف خلفه ثلاثة من حراسه الشخصيين. أسف أسانج «لكون الإجراء الوحيد الذي تبنته الولايات المتحدة حتى الآن هو تهديد منظمتنا واعتقال برادلي مانينغ، الذي ساعدنا على نشر المعلومات، وهو معتقل اليوم في ولاية فرجينيا، ويواجه عقوبة بالسجن تصل الى ٥٢ عاماً». علماً بأنّ مانينغ يعمل محللاً استخبارياً في الجيش الأميركي وقد سرّب الى «ويكيليكس» وثائق تتعلق بالحرب في العراق، بينها شريط فيديو يُظهر القوات الأميركية في عام ٢٠٠٧ تقصف وتقتل عشرات المدنيين، ومن بينهم مراسلان في وكالة «رويترز».
وأعلن أسانج أنّ منظمته تملك أكثر من ١٥ ألف ملف إضافي عن الحرب على أفغانستان، و«سننشرها في أسرع وقت. لكنّني أجد نفسي اليوم مهدداً. بعض المعلومات التي نقدّمها اليوم تأتي من البنتاغون. وقد طلب الكونغرس من منظمتنا تدمير مضمون المعلومات الموجودة في موقعنا. وأدعو الإدارة الأميركية الى إجراء تحقيق جدي في الملفات والوثائق التي وضعناها على موقعنا، بدلاًً من التلهي بالبحث عن المصادر التي سربت لنا هذه المعلومات والوثائق». وأضاف: «بعدما وضعنا ملفات الحرب على أفغانستان ونشرنا المعلومات المتعلقة بالتعذيب والعنف الممارس ضد السجناء في العراق، طلب البنتاغون من الصحافة في العالم أن تقاطعنا. لكن هذه المعلومات باتت اليوم تُنشر بطريقة واسعة».
وأسف أسانج لأنّ «البنتاغون لم يقدم أيّ اعتذار علني بشأن الانتهاكات التي حصلت، بل همّه الوحيد اليوم تهديد منظمتنا. بالأمس، أُبلغنا أنّ الجيش الدنماركي قدم طلباً رسمياً يتعلق بعدم نشر التقارير المتعلقة بالحرب».
ورأى أسانج أنّه «عكس الدنمارك وبريطانيا، فإن إدارة الرئيس أوباما لم تبادر الى إجراء تحقيق شفّاف في الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها جنودها بحق السجناء. منظمة مراقبة حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية وكل وكالات الأمم المتحدة المختصة، طالبت بإجراء تحقيقات. وأظن أنّ الوقت حان لإظهار الحقائق لا لطمسها. ولمناسبة المراجعة الشاملة لحقوق الإنسان التي تجرى في الأمم المتحدة، أدعو الولايات المتحدة إلى أن تعود الى جذورها العريقة وتدعم حقوق الإنسان، ولا سيما حرية التعبير».
وأضاف أسانج «العديد من القوانين الأميركية تتعارض مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان. منذ ثماني ساعات، تلقينا خبراً بأنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية اعتقلت أحد الأشخاص المتطوعين في منظمتنا أثناء انتقاله من المكسيك الى الولايات المتحدة. وقد

أعلن أنّ الموقع سينشر قريباً وثائق عن الصين وروسيا ولبنان
صودر حاسوبه. لكن حتى اللحظة، لم يسجّلوا أي جرم ضده».
ورداً على سؤال منظمة «مراسلون بلا قيود» عما إذا كان سيُجري مراجعة بشأن منهجية نشره للتقارير، وخصوصاً أنّ بعضها طاول أفراداً أبرياء يتعرضون للخطر اليوم في أفغانستان، أجاب أسانج: في الواقع، لا أفهم الدافع الى طلب هذا الأمر، نعتقد أنّ هذه الوثائق مهمة ويجب أن يعرفها الجمهور».
وعن التهديد الذي يتعرض له بصورة شخصية والمعلومات التي نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» الأحد الماضي، أجاب إنّ التهديدات ليست جديدة «لقد تعرضت لحوادث عديدة، ولاقتحام لبيتي ومصادرة العديد من وثائقي. الناس يسألون لماذا نركّز منذ نيسان (أبريل) على الولايات المتحدة، وخصوصاً أنّ منظمتنا نشرت منذ نشأتها وثائق عن أكثر من ١٠٠ دولة. في الحقيقة، ننشر اليوم عن الولايات المتحدة، لكنّنا سننشر قريباً عن كل من روسيا ولبنان والصين. وأشير إلى أنّ ٧٠ في المئة من مصادرنا المالية تنفق على إجراءات حماية طاقمنا والمصادر التي تعطينا المعلومات. والمصارف بدأت التضييق علينا بناءً على طلب الجيش الأميركي. في السابق، كانت كل الهبات التي تلقيناها عبر التبرع عن طريق الإنترنت، لكن منذ أن نشرت وثائق الحرب، تلقّت شركة التحويل المالي على الإنترنت هذه الأموال لكنّها أغلقت حسابنا. وهذا أمر مؤسف لأنّ منظمتنا لا تتلقى أموالاً إلا من أفراد لا من أيّ مؤسسة أو دولة».


ماذا عن المحكمة؟

رداً على سؤال «الأخبار»، رفض أسانج الكشف عما إذا كان سينشر معلومات إضافية عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، من دون أن ينفي امتلاكه معلومات جديدة، لأنّ الأمر يتعلق بسياسة «ويكيليكس». لكنّه لفت الى أن موقعه نشر في ٢٠٠٩ «وثائق عن تمويل المحكمة» أظهرت أنّ اثنتين من الدول التي موّلت المحكمة، أقدمتا على ذلك بدافع معاداتهما لسوريا. وشنّ أسانج حملة على «نيويورك تايمز»، وأسف لكونها تنشر معلومات كاذبة، وخصوصاً لجهة تلقي «ويكيليكس» تمويلاً جديداً دفعه الى زيادة عديد الموظفين. وأضاف: «هذا غير صحيح، معظم أفراد طاقمنا يعملون تطوّعاً، والتمويل يأتينا من الأفراد لا من المؤسسات».