هالة نهرا يلجأ إلى تقنيّات بسيطة، وفيض من الواقعية. يقلّب النوتات في ذهنه قبل أن يرتجلها. يجترّها ويمجّها، ثمّ يعيد تأليفها. يتعمّد استنزاف طاقات آلته، باحثاً عن مساحة حرّة يجتاحها قبل غيره. هكذا هو مازن كرباج، متمرّد يحاول دوماً أن يقفز فوق الممكن، ويرفض اللعب على وتر المكرّس في وعينا الفنّي. ما سيقدّمه الأربعاء المقبل، في «مركز بيروت للفنّ»، تحت عنوان «حكائيّات سكونيّة» VOWELLESS ONOMATOPOEIAS، ينبض بالجنون، ويعكس رؤية موسيقية مغايرة. ليس جديداً على كرباج الانفلات من أطر التعبير التقليدية والحديثة. حفلته تبشّر بولادة متتالية (سويت) لبنانية للترومبيت، علماً بأنّها مرتجلة، ولا تستند إلى بنية كلاسيكية. مازن كرباج لا يتعب من استحضار صخب العالم الخارجيّ، ولا يهمل أصواتاً داخلية خافتة. بارعٌ هو في كسر رتابة الإيقاع السائد، ومسكونٌ بطيف التجارب الراديكالية الغربية. موسيقاه ليست مجرّد انعكاس ميكانيكي لحركة تجريبية طليعية عمّت أوروبا والولايات المتّحدة في الستينيّات. رغم افتقار معظم ارتجالاته إلى هوية واضحة، فإنّها تشفّ عن نفَس خاص غير مجمّد في الزمان والمكان.
موسيقاه مجبولة بطين الحاضر، وآتية من واقع بعيد متكرّر. ثمّة من لا يتقبّل هذا النمط المشحون بالموسيقى اللانغمية. كرباج لن يقدّم تنازلات لاجتذاب الجمهور. «الأطر الأكاديمية تخنقني، لذلك لم أتابع دراستي الموسيقية»، يقول مضيفاً: «أنا غير نادم على خياراتي، وأشعر بأنّ الموسيقى في مكان آخر». لعلّه ممسوس

حفلته تبشّر بولادة متتالية لبنانية للترومبيت
بـ«لوثة» التجريب، وغير مستعدّ ــ حتّى الآن على الأقلّ ــ لخوض غمار تجربة تراعي ذائقة المستمع، وتحافظ في الوقت نفسه على جذرية عميقة. رغم فجاجة ارتجالاته، فإنّها تلتحف شعرية الواقع والمتخيّل، و«تتغذّى من العاطفة». لا شكّ في أنّها تعكس تخبّطاً ما، وتختزن شحنة انفعالية عالية. يستعين مازن بخرطوم مياه أو أنبوب صغير مثلاً، لتقليد أصوات إلكترونية. كأنّه يحاول ترويض العالم عبر محاولة ترويض آلته. كرباج أصدر أكثر من عشر أسطوانات، ومع ذلك «لا يمكن شراؤها في «فيرجن ميغاستور»؛ لأنّ شركات الإنتاج لا تعترف بنا، فيما يرى الأكاديميون أنّنا مهرطقون». شارك كرباج في تنظيم تظاهرات فنّية عدّة، تحت لواء الموسيقى الحرّة المرتجلة، في إطار جمعية Mill. هذه المرّة لن يكون الحدث مجالاً للحوار بين عازفين يصارعون لتأسيس تيّار جديد. نحن على موعد مع موسيقي «مشاكس» يناطح الحياة بخفّة، ويدفع باتّجاه خلق فضاء صوتي عربي (بديل) تعمّه الفوضى.


«حكائيّات سكونيّة»، عزف على البوق لمازن كرباج: 8:00 مساء الأربعاء 10 تشرين الثاني (نوفمبر) ــــ مركز بيروت للفن (جسر الواطي/ بيروت). للاستعلام: 01/397018 www.beirutartcenter.org