الإطلالة العربيّة الأولى لـ آلن وريتشارد بيشوب
الفرقة الأميركيّة العصيّة على التصنيف، والتي تنهل من موسيقى شعوب العالم الثالث، ما زالت صامدة في وجه السوق، بعدما تركت بصماتها على تجارب معروفة. موعدكم مع الأخوين آلن وريتشارد (بمشاركة رائد ياسين وشربل هبر)، ليلتي الخميس والجمعة، في «مسرح بيروت». أحضروا أشرطتكم القديمة

بشير صفير
وقع خيار منظّمي حفلتَي Sun City Girls على «مسرح بيروت»، وحسناً فعلوا. ما من فضاء ثقافي في بيروت اليوم يناسب الفرقة الأميركية العريقة، بأزيائها وماكياجاتها، أكثر من هذا المكان الشعبي والحميم. الفرقة التي تزور الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ تأسيسها مطلع الثمانينيات، لها من العفوية والتعبير الصادق حدّ الجسارة والإيحاءات الموسيقية الشعبية ما يجعلها، إلى حدّ ما، نافرةً في رحاب الصروح الثقافية الأخرى في بيروت.



Burning caravan







قد يكون بعض مَن سمع بالحفلتَيْن المرتقبتَيْن ارتاب منهما للوهلة الأولى. الفرقة مغمورة، لأسباب غير فنية، وقلة من هواة الموسيقى سمعت بها من قبل، ما قد يخلق حالة من الحذر لدى الجمهور اللبناني، إزاء هذا الحدث الذي يقف وراءه روّاد الموسيقى التجريبية الحرة في لبنان (رائد ياسين وشريف صحناوي وغيرهما). لذا يبدو من المفيد أن نشير إلى أن ما تقدّمه Sun City Girls عموماً، يطال معظم الأنماط الموسيقية الغربية التي انتشرت في العقود الأربعة الأخيرة والكثير من النكهات الإثنية المختلفة.
التجريب موجود في تاريخ الفرقة من خلال بعض مشاريعها. لكن ما سيقدمه الثنائي المؤلَّف مِن الأخوَيْن آلن وريتشارد بيشوب في الموعدين البيروتيين، لا يمت إلى التجريب بصلة، إلا في القليل من الأحيان، ومن باب خدمة المقطوعة الموسيقية أو الأغنية. يستحيل وضع هذه التجربة في خانة موسيقية محدَّدة، حتى إذا وسّعنا مروحة التنميط. أي حتى إذا قلنا «شرقي»، أو «غربي»، أو «آسيوي»، أو «أفريقي»، أو غير ذلك. كل جزء صغير من البرنامج، يأخذنا إلى ثقافة موسيقية مختلفة. الارتجال حاضر، وكذلك التجريب المحدود (أحياناً على طريقةtom Waits أو Nick Cave)، والمؤثرات الصوتية، وملامح الروك التطوري والبديل المستقل، القديم والحديث، كما البلوز والكاونتري، والفولك، والبانك... وكم من الفرق قد تكون تأثّرت بـ Sun City Girls، فأنتجت تجربة لاحقة لم نعرف مصدر الوحي فيها لشدة ابتعاد آل بيشوب عن عمالقة الإعلام والإنتاج.
في 1981، أسّس Sun City Girls شقيقان أميركيان من جذور لبنانية (لجهة والدتهما)، هما آلن وريتشارد بيشوب. وفي عام 1982، انضم إليهما عازف الدرامز شارلز غوشر الذي توفي عام 2007 بالسرطان. على أثر هذه الحادثة، قرّر آلن (باص وغناء) وريتشارد (غيتار وبيانو) وضْع حدّ لمسيرة الفرقة الفنية، بعد أكثر من عقدَيْن ونصف من النشاط الموسيقي المناهض لكل الأشكال التجارية، بدءاً من التوجّه الموسيقي وصولاً إلى شركات الإنتاج. ثم عادا إلى نشاطهما تحت اسم The Brothers Unconnected ليقدّما تحيةً للفرقة وللعضو الراحل. على مدى السنين، صمدت الفرقة في وجه وحش الرأسمالية، ولم ترضح لإملاءات التسويق. عانَت التهميش بطبيعة الحال، لكنها استطاعت أن تتدبر أمرها في تسجيل عشرات الألبومات التي صدرت عند ناشرين مستقلين، لكنها لم تلقَ الانتشار المطلوب. أضف إلى ذلك تصريحات الفرقة وآرائها المناهِضة للسياسة الأميركية والصهيونية، والمناصِرة للقضايا العادلة، من بينها القضية الفلسطينية. كما أسّست الفرقة شركتي Sublime Frequencies وAbduction Records، لتسجيل أعمالها، وأرشفة المواد الفنية التي يجمعها آلن بيشوب من أنحاء العالم. وتلك حكاية أخرى تستحق التوقف عندها لدورها الأساسي في مشروع الفرقة.

ينحدر الأخوان من جذور لبنانيّة، وتتميّز الفرقة بمواقفها المناصِرة للقضيّة الفلسطينيّة
للفرقة أغانيها الخاصة ونصوصها الغامضة، لكن الجزء الكبير من ريبرتوارها، يعود إلى إعداد ما يجمعه آلن بيشوب من موسيقى شعوب العالم الثالث خصوصاً. يرصدان إذاعات محلية شعبية، في بلدان أفريقية وعربية وآسيوية وغيرها، ويسجّلان ما تبثه من أعمال معظمها يبقى بالنسبة إلى الفرقة مجهول المصدر. إضافة إلى هذا المصدر، يجمع بيشوب أشرطة موسيقى شعبية أينما وجِدت، معظمها لا يحمل إشارة إلى مضمونها، وهنا أيضاً تبقى بعض الأعمال مجهولة المصدر، باستثناء هويتها. تكوّن على أثر هذه العملية المتواصلة أرشيف هائل من التسجيلات، فرزتها الفرقة وأعادت الكثير منها بصيغ مختلفة، حافظت على بعض خطوطها الأصلية، وأضفت إليها لمسة الخاصة.
أفضل هذه الأغنيات والمقطوعات التي عملت عليهاSun City Girls، وتحديداً تلك التي تجد مصدرها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تجمعها شركة «النهاية» اللبنانية الراعية للحدث، وتصدرها أثناء الحفلتين في أسطوانة تطلق للمناسبة، بعنوان Gum Arabic.
خلال الحفلة الأولى في «مسرح بيروت»، يستعيد عضوا Sun City Girls كلاسيكيات الفرقة. وفي الثانية يقدمان مشروعيهما المستقلين تحت عنوان Alvarius B (آلن) وSir Richard Bishop (ريتشارد). كما ستكون للفنانين اللبنانيين رائد ياسين وشربل هبر مشاركة في الليلتَيْن إلى جانب الأخوين بيشوب.
أما الهدية التي يمكن أياً من القرّاء الذين سيقصدون «مسرح بيروت»، أن يقدّمها إلى آلن، فهي أيّ كاسيت عتيقة نسي أن يتخلّص منها، أو لم يستخدمها منذ زمن بعيد... وهناك أمل لا بأس به، في أن تبعث تلك الكاسيت يوماً ما في واحدة من أغنيات Sun City Girls!


8:30 مساء غد الخميس وبعده ــــ «مسرح بيروت». للاستعلام:
01/363328