صباح أيوبفي حلقات برنامجها الشهير، تسعى أوبرا وينفري دائماً إلى افتعال لحظات «مؤثرة» يُدفع خلالها الضيف إلى ذرف الدموع أو ـــــ على الأقل ـــــ قطع الحوار بغصّة. صاحبة برنامج «أوبرا» باتت تتقن استدراج هذه المحطات في جلساتها الحوارية المتلفزة، فتُعدّ اتصالاً «مفاجئاً» مع أحد أفراد عائلة الضيف أو تعرض صوراً خاصة حميمة لفنانين، ثم تحدّق إلى عيني الضيوف طويلاً وبصمت، حتى تدفعهم إلى الاستسلام...
في حلقة 23 أيلول (سبتمبر) 2010، التي بثّت السبت الماضي على قناة «إم بي سي 4»، أعدّت أوبرا العدّة لجلسة تراجيدية بامتياز! ضيفة الحلقة كانت الموقوفة الأميركية السابقة لدى السلطات الإيرانية سارا شورد التي أطلق سراحها في 14 أيلول 2010 بكفالة مادية لأسباب صحية، بعد حوالى 14 شهراً على احتجازها، فيما لا يزال صديقاها مسجونين بتهمة التجسس.
موضوع دسم في مرحلة سياسية يراد فيها تحويل أنظار العالم عن فضائح الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان وتوجيهها إلى أبلسة عدو قديم جديد هو إيران أحمدي نجاد. في تلك الحلقة، أملت المذيعة الأميركية أن تعرض أمثلة عن همجية الإيرانيين والسلطات التابعة لنجاد من خلال ما سترويه السجينة السابقة عن مرحلة احتجازها. لكنّ الضيفة روت تفاصيل اعتقالها وقصّتها داخل السجن الإيراني من دون ذرف دمعة... اللافت فقط كان محاولات أوبرا ـــــ الفاشلة ـــــ طوال الحلقة استجداء لحظة انفعال أو استحضار مشهد قاس من داخل السجن الإيراني: مثلاً، كرّرت أوبرا على ضيفتها سؤالاً عن التعرّض للتعذيب أو سوء المعاملة من قبل السجّانين الإيرانيين، لكنّ شورد (32 سنة) نفت الأمر، مكتفية بالقول إن «السجن الانفرادي بحدّ ذاته هو تعذيب». وعلى رغم نفي السجينة، احتفظت وينفري بنظرات بائسة ووجه متجهّم أُعدّ مسبقاً لإجابات عنيفة مفترضة!
تنتقل المحاورة إلى موضوع التعذيب النفسي وفصل المحتجزين الثلاثة بعضهم عن بعض، الأمر الذي وصفته أوبرا باللاإنساني والضاغط. لكنّ إجابات شورد توضح في ما بعد أنهم فصلوا لمدة شهرين فقط، وهي فترة التحقيق معهم، ثم سمح للمحتجزين برؤية بعضهم بعضاً يومياً لمدة ساعة في باحة خارجية. محاولة أوبرا الأخيرة جاءت لتلعب على وتر العائلة، فتحدثت عن قسوة الإيرانيين بعدم السماح لشورد بالاتصال بوالدتها وطمأنتها. تفشل المحاولة أيضاً، إذ تفصح شورد أنها «تمكّنت من الاتصال بوالدتها مرتين، ثم قابلتها عندما سمحت السلطات الإيرانية لأمهات السجناء بزيارتهم. حدّقت أوبرا طويلاً إلى عيني ضيفتها، وطبعت على وجهها حزناً غير مبرر فشل في تحويل الحلقة إلى فيلم رعب عنوانه «تعذيب الأميركيين في السجون الإيرانية».
لكن ماذا عن رواية المحتجزين التي تقول إنّهم كانوا يقومون بـ«رحلة سياحية» في منطقة حدودية في كردستان، وإنّهم فوجئوا بدخول الأراضي الإيرانية؟! لماذا تجاهلت المقدمة «تفصيل» إفراج الإيرانيين عن معتقلة لكونها امرأة تعاني من اضطرابات صحية؟ ماذا عن مئات العراقيين والأفغان الذين ماتوا تحت التعذيب الأميركي؟ وكيف يعامل السجّانون الأميركيون معتقلي غوانتنامو وغيرهم؟ يبدو أن كنبة أوبرا لا تتسع لهؤلاء.