أمّ فلسطينيّة تلتقي جلّادها في حديقة الحيوان، وكشّاش حمام عراقيّ يأكل أوراق الكتب. مسرحيّة «الجدول البياني للحمى»، تتعامل مع العربي من خارج صورة الإرهابي
نيويورك ــ عماد خشان
لعلّ الحدث المسرحي الأبرز هذا الموسم في مدينة كامبريدج الأميركية هو مسرحيّة «الجدول البياني للحمى: ثلاث رؤى من الشرق الأوسط» من تأليف الكاتبة المسرحيّة والشاعرة الأميركيّة نعومي والاس. مسرح «سنترال سكوير»، يحتضن عروض العمل الذي تولّت إخراجه إلينا أراوز. قوبلت المسرحيّة ببرود في الصحافة الأميركية، بسبب تأييدها الواضح للفلسطينيين. وهي تستحقُّ الاهتمام، بوصفها نموذجاً عن الحد الأقصى لما يمكن الأميركي العادي استيعابه عن القضية الفلسطينية، وخصوصاً أنّ قسماً كبيراً من الأميركيين، سيعدّ مسرحية مماثلة نوعاً من الدعاية لمعاداة السامية (!)، وحتى تشجيعاً على الإرهاب (!). في ثلاثة فصول مختلفة على صعيد الحبكة، تحكي والاس حكاية فلسطينيين اثنين وعراقي. الفصل الأول، «حالة براءة»، يدور حول أم فلسطينية فقدت ابنتها على يد الجيش الإسرائيلي. ويحكي الثاني، «بين هذا النَفَس وأنت»، قصّة أب فلسطيني قتل ابنه على يد جنود إسرائيليين، لتُزرع رئتاه في صدر ممرضة إسرائيلية. أما الفصل الثالث «العالم المدحور»، فهو عن شاب عراقي نجا من مجزرة نفَّذها الجيش الأميركي بحق جنود عراقيين مستسلمين خلال حرب الخليج الأولى. قصص قد تفتح أفق المشاهد الأميركي على رؤى جديدة، بدلاً من الرؤية النمطيّة للإعلام الأميركي، حيث الفلسطيني والعربي إرهابيان من دون شكّ.
تشارك في التمثيل نجلا سعيد في دور ممرّضة إسرائيليّة
في «الجدول البياني للحمى»، نجد أنفسنا أمام عمل سوداوي، يقدِّم صورة إنسانية عن الفلسطيني والعراقي. في المشهد الأول من المسرحية المقتبسة عن قصص حقيقيّة، تدخل أم هشام قشطة (ماريا سيلفرمان) إلى حديقة الحيوانات في رفح. هناك، جندي اسرائيلي مسلّح ينظّف الحديقة، فتتحدث معه عن ابنتها التي قتلها جنود الاحتلال بينما كانت تلعب مع طيور الحمام. تلتقي أم هشام بشلومو المهندس المعماري (كين بالتين) الذي كان شيوعياً وصار صهيونياً جاء أرض الميعاد ليعيد بناءها. وبين شلومو وأم هشام، يقف الصهيوني الجديد أي الجندي الإسرائيلي الذي يتغنّى بدبابة الميركافا في مشهد يذكِّر بأحد مشاهد فيلم «فالس مع بشير»، وهو يرى في رشاشه آلة موسيقية تعزف الـ«هارد روك». هكذا، تجد الأم الفلسطينية جثّة ابنتها القتيلة مشلّعةً بين شبح الأحلام الصاعدة من الكتب القديمة، وأحلام الأشباح الراقصة فوق جثت الأطفال وطيور الحمام.
في الفصل الثاني من المسرحية «بين هذا النَفَس وأنت»، نلتقي بمريد كمال وهو أب فلسطيني (كين بالتين)، يدخل مستوصفاً في القدس الغربية باحثاً عن الممرضة الإسرائيلية تانيا لانغر (نجلا سعيد). تتقمص سعيد بمهارة دور الإسرائيلية، بكلِّ تعاليها، وعنصريتها، واحتقارها لمحدّثها الفلسطيني، ولعامل التنظيفات اليهودي المغربي الأصل سامي (هاري هوبس). وحين تعرف أنّ موت ابن مريد كمال هو السبب في بقائها على قيد الحياة، تبدو كمن كان يفضّل الموت على معرفة أنّ كلّ نفَس تأخذه خارج من رئتي طفل فلسطيني.
المشهد الثالث بعنوان «العالم المدحور» يحكي قصة علي الشاب البغدادي الذي يهوى جمع الحمام، قبل أن يجد نفسه مجنّداً في جيش صدّام، خلال حرب الخليج الأولى، والحصار على العراق. حصارٌ شمل أقلام الرصاص، خوفاً من استعمال رصاصها في صنع أسلحة الدمار الشامل. بخلاف المشهدين السابقين، لا مواجهة هنا بين رأيين متناقضين. علي (ابراهيم ميعاري)، كشاش الحمام وحده على الخشبة، يخبرنا أنّه يحب الكتب، ويجدها ذات فوائد جمة بما فيها أكل الورق حين ينقطع الطعام.
«الجدول البياني للحمى» مسرحية تستحقّ المشاهدة، لكونها قادرة على فتح باب النقاش واسعاً حول إمكان تغيير نمط تفكير الأميركيين في ما يخص قضايانا.

حتى 19 كانون الأول (ديسمبر) ــــ مسرح «سنترال سكوير»، كامبريدج: www.centralsquaretheater.org