لم تلقَ الدورة الحالية من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» الزخم المتوقّع بسبب تزامنها مع الانتخابات التشريعية المصرية وموسم عيد الأضحى. إلا أن فيلم خالد الحجر جذب المتابعين وخالف كل التوقعات
محمد عبد الرحمن
يبدو واضحاً لكل من يتابع التغطية الإعلامية لـ«مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الحالية التي تختتم اليوم، أنّ الصحافيين تمكّنوا من التمييز بين المشاكل التي تواكب هذه التظاهرة ولا تتحمّل الإدارة مسؤوليتها، وتلك التي تنتج من أخطاء تنظيميّة وإدارية.
دورة هذا العام، تزامنت مع الانتخابات التشريعية. وهو الاستحقاق الذي شغل الإعلام المصري والعربي، وإن غاب عنه الاهتمام الشعبي. كذلك جاء المهرجان بعد أيام من انطلاق موسم عيد الأضحى. وقد منع ذلك كل دور العرض من التعاطف والترويج لأفلام الدورة الرابعة والثلاثين، حرصاً على إيرادات أفلام عادل إمام، وأحمد حلمي، وأحمد السقّا.
لكن توقيت المهرجان لم يكن عيبه الوحيد. غياب الأفلام الجيدة عن المسابقة الرسمية كان لافتاً. هكذا نال الفيلم التركي «إسأل قلبك» للمخرج يوسف كورسينلي، إعجاب الحضور بسبب جودة الصورة، والموسيقى، والديكور. إلى جانب مشاركة الممثلة التركية توبا بويوكوستون (لميس) في العمل. وتدور أحداث الشريط حول اضطهاد المسيحيين في تركيا خلال نهايات الحكم العثماني، من خلال قصة حب تنشأ بين فتى مسيحي يدّعي أنّه مسلم، وفتاة مسلمة، فيضيء على التناقضات التي تقع فيها هذه العلاقة. بينما لم يحظَ الفيلمان، السويسري «متوحشة» لجان فرنسوا أميغيه، والهندي «خطاب لم يستكمل» لأبارنا سين، على إعجاب الجمهور بسبب الفقر الإنتاجي الذي أثّر في عناصرهما. ثم انقلبت توقعات الصحافيين الذين رأوا أن حالة الهدوء التي رافقت فعاليات الدورة ستنسحب حتى النهاية بسبب عرض الأفلام المصرية الثلاثة («الطريق الدائري» لتامر عزت، و«ميكروفون» لأحمد عبد الله، و«الشوق» لخالد الحجر) في «دار فاميلي سينما» في المعادي (جنوب القاهرة) البعيدة نسبياً عن مقر المهرجان في القاهرة. إذ أعاد العرض الأول والوحيد لفيلم «الشوق» البريق إلى المهرجان. وكان مئات الصحافيين والسينمائيين قد حضروا العرض رغم غياب بطلته الثانية روبي، والنجم الشاب أحمد عزمي عن فعاليات الندوة التي تلت العرض. وإن كان «الشوق» الذي كتب نصّه الممثل المخضرم سيّد رجب، وأخرجه خالد الحجر، لم ينل إجماع الحضور، إلا أنه بلا شكّ استحقّ تمثيل مصر في هذه المسابقة الدولية. أولاً بسبب طبيعته التي تنال إعجاب لجان تحكيم في المهرجانات الدولية، إلى جانب تقديم المخرج رؤية مختلفة عن الأحياء الفقيرة. ومع انتهاء الشريط تأكّد الحضور أن كل ما أشيع عنه وكل ما سبقه من انتقادات لم يكن في محلّه. إذ رأى المنتقدون أن مشاركة المغنية روبي في الفيلم ستغنيه بالمشاهد الساخنة لكن ذلك لم يحصل، باستثناء بعض اللقطات التي كانت ضرورة درامية. كما أن تناول الشريط لمشكلة الكبت الجنسي الذي تعانيه روبي وشقيقتها في الفيلم دفع أحد المحامين إلى طلب منعه بحجة أنه «يسيء إلى الشباب المصري ويصوّرهم كأنهم لا يفكّرون سوى في جزئهم السفلي».
لكن الجمهور اكتشف أن كل هذه الاتهامات غير صحيحة، وأنّ روبي ليست بطلة الفيلم بل إنّ البطولة المطلقة كانت لسوسن بدر، التي جسّدت دور والدتها، فأضافت الكثير إلى مسيرتها المليئة بالأدوار المميزة منذ حملت لقب «نفرتيتي السينما المصرية» قبل ثلاثين عاماً.
كذلك أكد الحجر من خلال الشريط ابتعاده عن سينما العشوائيات

طالب أحد المحامين بمنع الفيلم بحجة أنّه «يسيء إلى الشباب المصري»

التي برع فيها خالد يوسف وأدت إلى اتهام من يقدّمها بالإساءة إلى سمعة مصر. ورغم بطء الإيقاع في بعض فترات الفيلم، وعدم منطقية بعض الأحداث من الناحية الدرامية، نجح «الشوق» في تقديم قصة جديدة على السينما المصرية، وإن كان مستبعداً أن يحقق إيرادات في شبّاك التذاكر. وفي الوقت عينه، أدار خالد الحجر الممثلين جميعاً إدارة جيدة رغم تعدّد الأجيال التي شاركت في الشريط.
ويروي العمل قصة أم تعيش مع أولادها الثلاثة ومرتبطة بصانع أحذية، في أحد الأحياء الفقيرة. وتعمل الأم في طحن البن، وتقرأ الفنجان وتتوقّع المستقبل بسبب معرفتها خبايا الجيران. غير أن وفاة ابنها الوحيد بسبب الفقر تحوّل الفيلم إلى اتجاه آخر: تحترف الأم المفجوعة التسوّل في القاهرة وتكوّن رأس مال يحمي ابنتيها (روبي وشقيقتها ميرهان المعروفة باسم كوكي) من الفقر، وتجعلها تسيطر على كل رجال الحارة الذين يستدينون منها. لكنّ الأمور لن تسير حسب مخطّط الأم، فـ«تنحرف» الابنتان بعد رفض والدتهما زواج الكبرى بحبيبها، ثم تقتل سوسن بدر نفسها فترحل حاملةً معها أسرار الحي الفقير في الإسكندرية. أما الابنتان، فتخرجان من عالمهما الفقير محملّتين بثروة حقّقتها أمّهما من التسوّل. هنا، وفي المشهد الأخير نرى روبي وكوكي تسيران على كورنيش الإسكندرية في الاتجاه المعاكس لاتجاه السير.


حضور ذكوري

رغم اعتماد فيلم «الشوق» على سوسن بدر في دور الأم، فإن الممثلين الرجال قدموا جميعاً شخصيات مميزة رغم تفاوت مساحة أدوارهم: من أحمد عزمي (الصورة) الذي بات اختصاصياً في هذه النوعية من الأدوار، إلى محمد رمضان، الذي نجح في الخروج من عباءة الدور الذي قدمه في «إحكي يا شهرزاد»، مروراً بسيد رجب في دور الأب، والممثلين أحمد كمال، وبطرس غالي، ويوسف إسماعيل، وماهر سليم، وكمال سليمان في شخصيات الجيران. أتقن الجميع أدوارهم وأسهموا في إنجاح هذا العمل، وإعادة الكثير من البريق إلى الدورة الرابعة والثلاثين من «مهرجان القاهرة السينمائي».