رحلت الجميلة التي ترقص الـ«هيلا هوب» بعدما سطع نجمها في الخمسينيات عبر فيلمي «ريا وسكينة»، و«درب المهابيل». ازدادت شهرتها مع عبد الحكيم عامر، وارتبطت مأساتها الشخصية بمأساة نكسة مصر
القاهرة ــ محمد خير
ماذا لو لم تلتق برلنتي عبد الحميد في بدايتها بالمسرحي الكبير زكي طليمات؟ هل كانت ستنفّذ رغبتها الأساسية وتلتحق بقسم النقد في معهد الفنون المسرحية؟ يصعب تخيّل تلك الفاتنة في صورة ناقدة مسرحية متجهّمة، كما يصعب تخيّلها محللة نفسية بعدما درست علم النفس. على أي حال، أقنعها طليمات بالتمثيل. لكنها لم تنس رغبتها في أن تكون كاتبة، وإن لم تكن تعلم آنذاك أن كتابَيها اللذين سيصدران بعد عشر سنوات سيكونان عن مأساتها الشخصية المتقاطعة مع مأساة نكسة مصر بصورة لا يمكن فصمها. ماتت الفاتنة عن 75 عاماً وقد عانت آلام المرض، بعدما عانت آلام السياسة والفقدان والترمّل. لكنها ظلت في صورة الجمهور تلك الجميلة التي ترقص الـ«هيلا هوب»... الرقصة التي «بتشعلل نار الحب» (من فيلم «سر طاقية الإخفاء» لنيازي مصطفى ـــــ 1959). كم كانت المنافسة صعبة في فن الإغراء زمن هند رستم. لكن برلنتي وجدت لنفسها مكاناً خاصاً. عكس النعومة المثيرة لرستم وصوتها المبحوح، وجدت عبد الحميد شخصيتها في ملامحها القوية ونظرتها النفاذة الأقرب إلى تحية كاريوكا. الشابة الصعيدية ابنة بني سويف ولدت عام 1935 في «السيدة زينب» لتحمل اسماً يجمع بين ثقافة الصعيد والمناطق الشعبية: نفيسة عبد الحميد أحمد. وسرعان ما تعلّمت التطريز كبنات طبقتها، لكنّ طموحها دفعها إلى معهد الفنون المسرحية. وحالما حوّلت مسارها من قسم النقد إلى قسم التمثيل حتى لفتت الأنظار. كان دورها الأول في مسرحية «شم النسيم» عام 1952 للمخرج فرنيتشو (الحوار لسيّد بدير) كافياً لجذب العاملين في هذا المجال. هكذا قبل أن تتم الـ17 من عمرها، وجدت لنفسها مساحة سينمائية في الخمسينيات الذهبية. لكن سنّها الصغيرة نفسها جنّبتها الانعكاسات السياسية التي أحدثتها ثورة يوليو في مصر، التي قامت في العام نفسه.

جمعت شخصيتها الفنية بين الإغراء وقوة بنت البلد
اختفى نجوم وظهر آخرون، لكنّ نفيسة/ برلنتي كانت في أول المشوار. انتقلت من يد فرنيتشو إلى صلاح أبو سيف الذي قدمها بعد عام في فيلمه الشهير «ريا وسكينة». وبعد عامين (1955)، حازت بطولتها الأولى مع توفيق صالح في فيلمه «درب المهابيل». هكذا تكرّست نجمة على أيدي كبار السينمائيين. لكنها احتلت مكانتها كفنانة إغراء مع «رنة الخلخال» الذي عرض عام 1955 أيضاً. تشكّلت ملامح شخصيتها الفنية التي تجمع صفة الإغراء بقوة بنت البلد، وبدا المستقبل مبشّراً: السينما المصرية ـــــ ومصر نفسها ـــــ في صعود، والإنتاج وفير، والسينما لم تؤمّم بعد، والثورة من نجاح إلى آخر. لكن إشارات «عصر الاستخبارات» كانت تتزايد، ولم يعد ممكناً فصل نجوم العصر (الفنانين والضباط) بعضهم عن بعض. بعد مسيرة ناجحة، التقت برلنتي بالضابط الكبير عبد الحكيم عامر. تزوّجا سنة 1963، ومرّت أعوام قليلة هانئة حتى وقعت الواقعة: لقيت مصر هزيمة ساحقة في حرب 1967.
أما المشير عبد الحكيم عامر الذي كان مسؤولاً عن القوات المسلحة المصرية، فانتحر بالسم. لكنّ برلنتي ظلّت تعتقد أنّه قُتل، وسعت إلى إثبات ذلك في كتابيها «المشير وأنا» (1993)، و«الطريق إلى قدري ـــــ إلى عامر» (2002) الذي أرادت من السيناريست مصطفى محرم تحويله مسلسلاً تلفزيونياً، بينما كافحت طويلاً ضد تصوير فيلم «المشير والرئيس» لخالد يوسف، واتهمت السيناريو (لممدوح الليثي) بعدم إنصاف المشير كما فعل الإعلام المصري، حسب رأيها، منذ النكسة. واللافت أن المسلسل والفيلم لم يخرجا إلى النور بعد، لكنّ برلنتي رحلت أول من أمس، ولم تعد هنا لتدافع مرة أخرى عن المشير.